الرئيسيةوجهة نظر

كيف نُحاكم تلميذا وفق قانون لا يعرفه ولم يشارك في صياغته؟

هسبريس ـ ميمون أم العيد
الثلاثاء 18 مارس 2014 – 12:22
لا تَسْلم الأقسام في المدارس المغربية من بعض المشاجرات سواء بين التلاميذ، أو بين الأستاذ والتلاميذ. يتطوّر الأمر في أحايين كثيرة إلى تبادل للشتائم الساقطة والمشبّعة بالقاموس العامّي، وما يعنيه ذلك من فقدان الثقة وتعطيل للعملية التربوية وكثيرا ما تصل بعض الخلافات إلى تبادل للضرب..
الأفعال السمجّة المخالفة للقانون التي يأتيها التلاميذ داخل الفصول الدراسية لا تنحصر في الضرب والشتم المتبادل فقط، بل تتعداها إلى سلوكات غريبة غير مستساغة، يُحاول عبرها التلاميذ إبراز ذواتهم وإن بالطريقة الخطإ: كالإستمناء داخل الفصل الدراسي ! إدخال حيوانات للأقسام ومواد خطرة ومحظورة كالمخدرات والخمور وما لا يخطر على البال..
تتدخل المجالس التأديبية في المؤسسات لردع التلاميذ وتأديبهم وثنيهم على تكرار تلك الأفعال. وأحيانا لحماية زملائهم من تصرفات غير مسئولة يأتيها بعض التلاميذ. والقرار في الغالب يكون الطرد من المؤسسة لأسابيع أو بشكل نهائي، أو الحكم بتغيير المؤسسة. هناك حالات تكون فيها عقوبة المجلس التأديبي مبينة على سلوك يأتيه التلميذ(ة) خارج الفصول الدراسية، كطرد تلميذة حامل، تأديب عن نشر صور فاضحة في الفايسبوك وغير ذلك.
ما مدى نجاعة هذه الأساليب التأديبية؟ أَلا تُخفي المدرسة المغربية ضعفها في طرد التلاميذ؟ وكيف ينظر التلاميذ والأساتذة والمفتشون ومختلف التربويين إلى قرارات المجالس التأديبية؟ هل هي ضرورة ملحّة للردع أم شطط في استعمال السلطة؟
حسن منير: كيف نُحاكم تلميذا وفق قانون لا يعرفه ولم يشارك في صياغته؟
يرى المفتش التربوي حسن منير أنه من الواجب على التلميذ أولا الابتعاد عن كل مظاهر العنف والفوضى داخل المؤسسة، والامتثال للضوابط الإدارية والتربوية والقانونية المعمول بها واحترام جميع العاملين في المؤسسة والوافدين عليها. لكن يجب على المؤسسات التعليمية يوضح ذات المتحدث لهسبريس أن ” تصيغ قانونها الداخلي وفق ظروفها وطبيعة تلاميذها وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية، مع ضرورة أن يطّلع التلاميذ والآباء على هذا القانون مطلع كل سنة وتوقيعه والالتزام به، وإلا كيف نُحاكم تلميذا بقانون يجهله ولم يوقعه مادام الأمر تعاقدا، والتعاقد يشترط لصحته موافقة وعلم كل المتعاقدين”.
وعن اختلال القرارات التي يمكن أن يتخذها مجلس تأديبي في حق تلميذ مذنب يورد منير أن ” القوانين الداخلية لا تتضمن تحديدا دقيقا لأنواع المخالفات والعقوبات المقابلة لها، وهو شرط أساسي للعدالة: تلميذ يرتكب مخالفة فنطرده أسبوعا وآخر يرتكب نفس المخالفة ونحكم عليه بإحضار ولي أمره فقط. ثم إنه من المفروض أن هذه المجالس تحتكم في قرارها على الوقائع التي يدعيها الأستاذ أو المحيل للتلميذ على المجلس، وعلى ما يدعيه المتعلم نفسه، وبالتالي إذا تبين تهافت الأستاذ أو الإداري فالمفروض أن يحكم ببراءة المتعلم و أن ينبه الأستاذ إلى تهافته، والحاصل إنني طيلة 25 سنة من العمل لم اشهد تبرئة للمتعلم وتحميل الأستاذ المسؤولية إلا مرة واحدة”.
كما أن عملية وضع هذه القوانين بالتشارك والاتفاق، واشتراط انتخاب ممثلين للمتعلمين باعتبارهم أعضاء في مجلس التأديب، وغير ذلك من عمليات الحياة المدرسية الهدف منه تربية المتعلمين على العديد من القيم الحقوقية والوطنية مثل احترام الآخرين، واحترام القانون والمساواة والعدالة والكرامة وهذا كله يتم ضربه حين نحكم على تلميذ ظلما فقط لان خصمه أستاذ أو مدير أو غيرهما فأين هي المساواة أمام القانون؟ أين هي الكرامة؟ وأين هي المواطنة ؟ يتساءل المفتش التربوي.
وجوابا عن سؤال الفائدة التربوية التي تجنيها المؤسسة التربوية من طرد تلميذ شهرا أو أسبوعا أو يوما يقول الباحث حسن منير ” لا شيء غير تعريضه للتشرد وللشارع بكل ما يحمله من أخطار، لذلك فمجالس التأديب التي تحترم مهمتها التربوية لا تحكم على المتعلم بالطرد أبدا، ولا تحرمه من الاستفادة من حصصه الدراسية، بل إنها تجعل التأديب تأديبا حقيقيا من خلال جعل المتعلم يقدم خدمة للمؤسسة، أو جعله ينجز ما تم تأديبه بسبب إهماله، أو تقديم الاعتذار علنا وأمام زملائه لمن اعتدى عليه … لما في مثل هذه العقوبات من تأديب”.
البوزيدي : يجب التصدّي بصرامة لكل تسيب أو إنفلات
على خلاف ما ذكره السيد حسن منير المفتش التربوي بوزارة التربية والتعليم يرى السيد عبد السلام بوزيدي أستاذ بثانوية سيدي عمرو التأهلية بنيابة زاكورة أن ” المجالس التأديبية تبقى جد مهمة في ضبط الحياة المدرسية ، فهي القمينة بزجر المخالفين وتوقيع عقاب مناسب في حقهم . وفي ظل غياب لائحة العقوبات التي يمكن أن تصدر عن المجالس الانضباطية أرى أن العقوبات التي يمكن أن تتخذ في حق التلميذ المخالف نوعان : عقوبات شكلية: الحكم على التلميذ القيام بأعمال بسيطة داخل المؤسسة التعليمية كالقيام بأعمال بستنة وسقي مزروعات. و عقوبات زجرية كتوقيع التزام ، توقيف محدود عن الدراسة ، تغيير المؤسسة ، الطرد النهائي من المؤسسة”.
وعن مدى نجاعة هذه الأساليب يقول البوزيدي إن “اختلاف وجهات نظر السادة الأساتذة والإداريين في مدى نجاعة مثل هذه العقوبات ، أقول أن هكذا أحكام لا محيد عنها بل هي ضرورية لاستقامة الحياة المدرسية وتلافي إشكالية العنف المدرسي الذي يؤرق بال القيمين على الشأن التربوي بالبلاد ، لكن ما ألاحظه انطلاقا من تجربتي الميدانية هو تفشي ظاهرة التلكؤ في تنفيذ قرارات المجالس الانضباطية في بعض المؤسسات التعليمية ، حيث تسوف بعض الإدارات التربوية وتكثر الشفاعات والتدخلات من عدة جهات لحث المطالب بعقد هذا المجلس على العدول عن الفكرة ، وفي ظل هذه الظروف أقترح إنشاء قضاء خاص بالمؤسسات التعليمية على غرار قضاء الأسرة وقضاء الإدارة وقضاء التجارة “.
بكّور: يجب تكوين الأساتذة في علم النفس التربوي
أما سعيد بكّور أستاذ الثانوي التأهيلي بثانوية الأمل بميضار إقليم الدريوش فقد قال أن ” اللّجوء إلى إحالة التلميذ على المجلس التأديبيّ قصدَ ردعِه أو عقابه نتيجة اقترافه لفعلٍ يستدعي ذلك لا يكون إلا في الحالات التي يتجاوز فيها المتعلّم الحدود المرسومة أو القوانين المعمول بها؛ كأن يصدر عنه سلوك مخلّ بالأدب داخل القسم أو يتفوّه بكلام لا أخلاقي أو يُحدث شغبا يخلّ بالسير العادي للدراسة… وما إلى ذلك من دواعٍ تجعل اللجوء إلى إحالة المتعلم على المجلس التأديبي أمرا ملحّا، وبعد أن يُعقد المجلس التأديبيّ يصدر أعضاؤه قرارهم الذي غالبا ما يكون توقيفا عن الدراسة لأيام معدودة، مراعين في ذلك مبدأ التدرّج في العقاب، وقد يصل الأمر إلى الالتماس بالطّرد أو تغيير المؤسّسة”.
وعن جوابه على سؤال هسبريس إن كان الردع والعقاب يشكل دائما الحل الأمثل الذي يمكن أن يغيّر من سلوك التلميذ العنيف، يجيب بكّور بقوله أن التلميذ لا يتغيّر سلوكه حتّى لو أُقيمت في حقه محاكم التفتيش وليس المجالس الانضباطية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في طبيعة عمل هذه المجالس، خاصة وأن سلوك التلميذ في القسم أو المدرسة لا ينفصل عن سلوكه خارجهما، فهو كائن اجتماعي يحمل مشاكله النّفسية والأسرية إلى المؤسسة، وليست له القدرة على الفصل بين الوضعيات، ولا ننسى أن التلميذ في سنّ المراهقة، وهي سن ذات خصوصية لها تأثيرها على سلوكه. لذا أرى أن اللجوء إلى العقوبات الرّادعة المتمثلة في التوقيف أو الطرد أو تغيير المؤسسة لن يغير من الأمر شيئا، وعليه وجب التفكير في حلول بديلة تُبنى على أساس نفسي واجتماعي وبيداغوجي سليم، وهذا لن يتمّ إلا بتكوين الأساتذة في مجال علم النفس التربوي، وهنا لا بدّ من أن تكون المؤسسة متوفرّة على أخصائي نفسي خاص بها، يدرس سائر الحالات الاجتماعية والّنفسية حتى نستطيع تجاوز العنف في مهده. كما ينبغي أن يحسن المدرّس التعامل مع التلميذ الذي تصدر عنه المخالفات وألا يقابل سلوكه الأخرق بسلوك مماثل، وهذا أمر يتطلّب أيضا تكوينات في المجال وشخصية تجمع بين القوة والمرونة في آنٍ.
ويزيد ذات المتحدث موضحا:” لقد صادفنا في أحايين كثيرة حالات لتلاميذ تجاوزوا حدود اللياقة في التعامل مع الأساتذة، وعند عقد المجلس نكتشف أن التلميذ له ظروف اجتماعية ذات خصوصية أو يعاني من مرض معيّن يتطلّب معاملة خاصة. فنصاب إذاك بالصدمة لأن الإدارة في غالب الأحيان لا تُخطر الأساتذة بحالات التلاميذ النفسية والاجتماعية. وبكلمةٍ؛ ينبغي إعادة النظر في العقوبات الزجرية الرادعة، وتعويضها بمهام يقوم بها المتعلم داخل المؤسسة كغرس شجيرات، أو ترتيب مكتبة، أو صباغة قسم”.
طرد تلميذ لـ 5 أسابيع بألنيف
يقول (هـ. م) ولي تلميذ بثانوية بألنيف (نيابة تنغير) أن التلميذ (م. ح) “طُرِدَ من المؤسسة لخمسة أسابيع متوالية، بسبب شجار بينه وبين أستاذ، تبادل شتائم وتبادل ضرب. رغم أن التلميذ قدم اعتذارا للأستاذ وتم قبول اعتذاره من طرف أستاذه إلا أن المجلس يتشبتُ بقضاء التلميذ عقوبته المتجلية في منعه من ولوج المؤسسة لـ40 يوما، مع ما يترتب عن ذلك من فوات مواعيد الإمتحانات والمراقبات لتلميذ يدرس في الباكالوريا . في غياب تام لجمعيات آباء و أولياء التلاميذ التي لا تقوم بدورها المتمثل في الدفاع عن حقوق التلاميذ حيث تستمع كثيرا للأساتذة و الإدارة أكثر من التلاميذ حيث أيدت هذا القرار ” .
وتعليقا عن هذا قرار الطرد هذا يقول حسن منير المفتش التربوي بأن قرار طرد تلميذ لـ5 أسابيع يُعدّ ” شططا كبيرا، فإذا كان الاعتداء على الأستاذ بشعا ونتج عنه شيء خطير، على الأستاذ أن يلتجئ إلى القضاء لأنه هو الذي يحكم في الجنايات والجنح، أما المجلس التأديبي فإنه مجلس تربوي ، والمفروض أن تكون الأحكام الصادرة عنه تراعي الجوانب التربوية، وأظن أن هذا التلميذ لو رفع قضية ضد مدرسته في المحكمة لربح الدعوى لأسباب عدة، أهمها عدم استناد الحكم إلى أي مرجع في القانون الداخلي، وعدم إشهار القانون الداخلي، (المفروض أن يعلق في أماكن يستطيع كل المتعلمين الاطلاع عليه كل يوم و) وعدم تعريف المتعلمين به بداية السنة، كما انه لا يتضمن نوع العقوبة المناسبة لهذا الفعل بالذات وبالتالي فهو حكم انفعالي عدواني تحكمي، فالقضية فيها تبادل للضرب ، فهل حُوكم المُدرس أيضا لأنه ضرب المتعلم؟. يتساءل المتحدث.
خلافا له فإن البوزيدي يتشبت بضرورة قضاء التلميذ لتلك العقوبة خرج أسوار المؤسسة ” من باب إحقاق الحق وإبطال الباطل فلابد أن ينال التلميذ المخالف العقاب الموقع عليه ، مع تمتيعه بإمكانية إجتياز فروض المراقبة المستمرة حتى لا يؤثر هذا التوقيف على مساره الدراسي ، وذلك حرصا على سمعة وكرامة المؤسسات التعليمية ومن فيها ، وأن يشهر هذا الجزاء عبر مذكرات إخبارية ليكون عبرة لغيره ، بل لابد من حملة واسعة النطاق لمحاصرة كل أنواع العنف في المؤسسات التعليمية والتصدي بصرامة لكل تسيب أو انفلات قبل أن يؤول الأوان إلى الفوات”.
وقد استفسرت هسبريس رفيقي مولاي عبد الله طالب مُفتش ومهتم بالشأن التربوي عن وجهة نظره في الحكم بطرد تلميذ ألنيف لـ5 أسابيع فقال في تصريح للجريدة بأنه ” لا داعي للجوء إلى الإجراءَات الدركية التي تلطخ وجه المؤسسة التعليمية، وبالتالي حتى وإن خرج المجلس بقرار الطرد، فإني أرى 5 أسابيع فيها غلو في السادية والتعذيب، فإذا كانت هناك نخوة التشبت بالقرار فالأولى أن تتم مراعاة الخصائص السيكولوجية لهذا المتعلم فضلا على وضعه الاعتباري في فضاء مثل ألنيف حيث تغيب فضاءَات أخرى لتدارك ما فاته من التعلمات، وبإقدامنا على التنفيذ فقد قمنا يقتله رمزيا”.
وزاد المتحدث ” شخصيا أرى أن تحكيم المقاربة التربوية هي السبيل الوحيد للتعامل مع تلك السلوكات مهما كانت حدتها، فالتلاميذ ليسوا خبيثين إلى تلك الدرجة التي يتصورها البعض، خصوصا في مثل تلك الفضاءَات التي ما تزال فيها تربية السليقة والجبلة سيدة المحيط”. ثم إن أصل تلك المشاكل تحدث عندما يؤمن المدرس بالندية فينظر إلى المتعلم ندا له ويحول القسم غلى فضاء للنزاع. يُورد رفيقي.
تلاميذ : المجالس التأديبية غير عادلة
وقد استقت هسبريس آراء مجموعة من التلاميذ حول قرارات المجالس التأديبية، خاصة قرار الطرد في حق التلاميذ المخالفين للقانون الداخلي. عبد الإلاه علي ودّار ثانوية الأمل التأهيلية بميضار، يرى أن “تلك القرارات تميل نوعا ما لرأي معين. أما العقوبات فهي عقوبات لا تؤتي بنتائج سوى ضياع التلميذ بين الشوارع، ويعود بعد تلك العطلة التي أخذها من المجلس التأديبي كإجازة . وبصراحة أنا أرى بأنه لا جدوى من تلك المجالس ما دام لا يؤخذ فيها حق التلميذ “. وهو الرأي الذي دافعت عنه أيضا التلميذة مريم بنعلي الثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين ” لا اتفق مع هكذا قرارات لان فيها ضرر بالنسبة للتلميذ. فإذا اخطأ مثلا علينا أن نوجهه للطريق الصحيح.. فالمدرسة واجبها أن تربي التلاميذ قبل كل شيئ. والطرد لن يفيد في شيئ. على اساس انه إذا طردنا التلميذ سيصحح خطأه بالعكس، سوف تضيع الحصص الدراسية و سوف نتركه عرضة للشارع .. و ربما في تلك المدة قد يكتسب سلوكات غريبة ونعيده للمدرسة أكثر عدوانية وشراسة”.
التلاميذ يرون أن طرد زملائهم من الفصول لأيام وأسابيع لا يُغيّر السلوكات ولا يؤدب المؤذنبين، المفتشون ينصحون بالمزيد من ضبط النفس وتجنب الثوتر والمشاحنات التي تزداد في فصل الربيع ونهاية السنة، والكثير من الأقسام تغلي ويغيب فيها شروط التعلم، وحدهم الأساتذة يعرفون الصعوبات التي يُلاقونها كل ساعة مع تلاميذ غير مؤدبين، آخر ما يهمهم هو التعلم واكتساب المعارف. لكن في غياب أي ” مدونة تربوية ” تملأ الفراغ القانوني في المدارس والمؤسسات التعليمية وتحمي حقوق المتعلمين وحقوق الأساتذة وكافة المشتغلين في الميدان، تبقى قرارات المجالس التأديبية مرة تصيب ومرات تحيد عن سكة الصّواب..

مواضيع مشابهة

Back to top button