آنْخِيلِيسْ غَالِينُو كَرِّيُّو: عَالِمَةُ تَرْبِيَّةٍ فَوْقَ الْعَادَةِ
بقلم: فِدِيرِيكُّو مَايُّورْ ثَارَاغُوثَا*
ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**
عن عمر ناهز 98 سنة، توفيت آنخيليس غالينو كريو (برشلونة؛ 1915) سنة 2014 بالموازاة مع 8 مارس اليوم العالمي للمرأة. صدفةٌ أرادها القدرُ لامرأةٍ هي تعبير و نموذج للإنسان الذي يمكن أن يتطور و يُقدم إضافةً إلى المجتمع و ذلك من موقع المرأة.
كانت آنخيليس أستاذةً، باحثة و مختصة في السياسات التربوية. بعد مسيرة دراسية لامعة في جامعة كُومبلُوتينسِي (مدريد) و القيام بأعباء التدريس، تمكنت سنة 1953 من أن تصبح أستاذةَ كُرسِي تاريخ البيداغوجيا و الذي استمرت فيه إلى أن تقاعدت سنة 1983. و هي أول أستاذة جامعية إسبانية تلج هذا المنصب عبر مباراة لتفسح بذلك طريقا مشرقا لإضافات المرأة في مجال الفكر.
زاوجت بين ولعها التربوي من خلال التدريس الجامعي الطويل بحيث استمر 30 سنة و نشاطها البحثي في مجال تاريخ البيداغوجيا. خلال ربع القرن الذي أصبحت فيه أستاذة كرسي نجدها أشرفت على 265 بحثَ إجازةٍ و 19 أطروحة. و تشكل بحوثُها المتعددة – بلغت 50 فصلا في كتب جماعية و 70 مقالة و العديد من المحاضرات و المساهمات في المؤتمرات – من دون شك مساهمةً مهمة في مجال البيداغوجيا المعاصرة. انطلقت من برنامج بحثي كلي مُسلطةً الضوء على الإيحاءات السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي تؤسس للفعل التربوي و التي كان مسكوتاً عنها حتى ذلك الحين. و هذه المعالجة الفكرية و المنهجية كانت غير مسبوقةٍ في تاريخ التربية في إسبانيا.
إن الوعي القوي بالتغيير الذي استشعرته هذه السيدةُ في تصورها لهويتها الشخصية، و في كينونتها و في وظائفها داخل المجتمع قد لفت انتباهها الفكري مبكرا و جعلها تناضل باستمرار في سبيل إحقاق المساواة: المساواة في الحقوق، تكافؤ الفرص، الوظائف، وضع العمل، الحضور في مناصب المسؤولية، و في صناعة القرار.
لقد استشعرت أنها وريثة الحركة النسائية التي كان يُروج لها سَانْ بِّيدْرُو بُّوبيِدَا (عالم تربية و مؤسس مؤسسة تريسا)، كما عاشت مقتنعةً بأن التكوين و الثقافة هما عاملان حاسمان في تحرير المرأة من القيود الرجعية التي فرملت الاعتراف بحقوقها و حضورها النشيط في المجتمع و الكنيسة.
بفضل معرفتها بعالم التربية و تكوينها الخاص كان قد تم تعينها مستشارةً في المجلس الوطني للتربية (1959 – 1963). و بعد ذلك تم استدعاؤُها من طرف وزير التربية الوطنية – كانت تلك لحظاتُ جودةِ التربيةِ، مع خوسي بلات خيميبو و ريكاردو دييث هوشليتنير المقربين من الوزير خوسي لويس بيار بلاسي – كي تشارك في أعمال إعداد القانون العام للتربية و تمويل الإصلاح التربوي (1970). و من أجل هذا تم تعيينها مديرةً عامة للتعليم المتوسط و المهني ثم مديرة عامة للتنسيق التربوي (1969 – 1971).
كان وِصالُها ببيداغوجيا أمريكا اللاتينية واحدا من المحاور في حياتها المهنية. عارفةً بالواقع التربوي في هذه القارة و بحساسية خاصة تجاه اللامساواة، نجدها سارت في اتجاه تدعيم خَطِّ الإصلاح الاجتماعي الذي يسعى إلى تخطي مستويات الفقر عبر تكوين الزعماء و الاعتراف بالثقافات المحلية و النهوض فكريا بالمرأة باعتبارها أساسَ تربيةِ الشَّعْبِ.
ساهمت في التعاون في المجال الجامعي و ذلك كأستاذة جامعية زائرة في جامعات كل من البرازيل و كوستا ريكا (1954) و الشيلي (1954) و ليما (1991). كما تم تعيينُها سنة 1968 مندوبةً لدى اليونسكو في مجال التخطيط لكليات التربية في البرازيل. و ما بين سنتي 1971 و 1973 شاركت في لجنة التبادل الثقافي لوزارة التربية و العلوم بين إسبانيا و الولايات المتحدة الأمريكية. هذا و جعل منها نشاطُها المهني الكثيف مستحقةً بجدارةٍ للعديد من الاعترافات و الجوائز ذات الصبغة الأكاديمية، الاجتماعية و الثقافية وطنيا و عالميا.
بفضل ارتباطها المبكر بمؤسسة تريسا (جمعية كَنَسِيَّةٌ للعلمانيين هدفها تدعيم الحوار بين الإيمان و العلم عبر التربية و الثقافة) فقد خصصت قِسماً كبيرا من دراساتِها و حياتها من أجل تعميق و تكريس كاريزما و مذهب سان بيدرو بوبيدا. و بالنظر إليها كمديرة لهذه المؤسسة (1977 – 1988) فإنها ساندت الحضور النشيط للعلمانيين في الكنيسة الكاثوليكية على صعيدي الثقافة و المجتمع.
كثيرةٌ هي فضائل آنخيليس المتصلة بنشاطها البيداغوجي على جميع المستويات لكننا نحن الذين سنحت لنا الفرصة للتعرف عليها و التعامل معها سنتذكر دائما أُسْتَاذيتَهَا المشبعة بالقيم التي تتأسس عليها شخصيتها الجذابة: فطنة، مرنة، متواضعة جدا، مُحاورة ممتازة و قادرة على رعاية الجميع.
لقد أخذت يدُ المنونِ آنخيليس غالينو جسدياً لكن فَضُلَتْ لنا مِشكاةُ عَملِها المُضِيئَةُ. كانت و ستبقى عالمةَ تربيةٍ فوقَ العادةِ.
*أستاذ جامعي، رجل سياسة و مدير عام سابق لليونيسكو. ازداد سنة 1934 بإسبانيا. شغل العديد من المناصب السياسية العليا محليا و إقليميا و دوليا. حصل على عدة جوائز تقديرية. له العديد من المقالات المنشورة في جريدة “البايس” الإسبانية المعروفة و منها هذه المقالة التي نشرت سنة 2014.
**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.