مستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر

أزمـــةُ التّدبيِر في التّعلِيم

 بقلم الاستاذ : محمد بوطاهر- 3 أبريل 2017
ليس من السّهل إطلاق كلمة أزمة لما تحبل به من دلالات تشظي المشكل واستفحاله حد الركود والتوقف، بل وإصابة حركة التقدم في ذلك المجال بعُطل مُوجع. لكن حين نستحضِر سلسلة الاصلاحات السابقة في مجال التربية والتعليم بدءا بإصلاح العُشرية الأولى من هذا القرن ثم المخطط الاستعجالي وغيرها، ندرك فعلا أن ثمة أزمة حاصلة تحتاجُ إلى رؤية استراتيجية عميقة تأخذ بعين الاعتبار المعضلات المطروحة آنيا، لتبني عليها نتائج وحلولا ناجعة، على الأقل، في أفق 2030.
مجرد إعمال بسيط للعقل في المشهد التعليمي المغربي يكشف عن مقدار الشذوذ التدبيري في هذا المجال الحسّاس الذي اعتبروه أول الأولويات وفوق كل اعتبار  وغيرها من العبارات السفسطائية الجوفاء. فالأزمة المطروحة أزمة الشكل وليس المضمون. فالبرامج المسطرة  منذ ما بعد الاستقلال، في جوهرها سليمة دقيقة تؤتي أكلها بكل تأكيد، لكن طرق تدبيرها ومُعالجتها على أرض الواقع يطرح عشرات الاستفهامات، ويدفع المواطن المغربي إلى الاحسَاس بفشل كل ذلك قياسا على ما مرّ به من التجارب الفاشلة المقرونة بالزمان ومدة الانجاز.
فإصلاح الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مطلع العشَرية الأولى لهذا القرن عرف تدبيرا تذبذبيا على مستوى استشراف متطلبات الواقع، أدى إلى صناعة إصلاح استعجالي من سماته العجلة التي هي من الشيطان وسوء تدبير التكلفة المادية المخصّصة لذلك، حتى غدا تكوين التكوين في تلك المرحلة أسلوبا يتهافت الجميع على الاستفادة منه وأخذ نصيبه منه، وما تصريحات المدير الإقليمي السابق لمديرية التعليم بالقنيطرة أحمد كيكيش مؤخرا، إلا جانبا واحدا من الثقوب المهولة التي نهشت ميزانية المخطط الاستعجالي آنئذ.
كل هذه الملاحظات البسيطة التي يلحظها أكثر المواطنين تعثرا في فهم أمور السياسة والتشريع، تُوحي بأن المقاربة الجديدة في إصلاح هذا الميدان المريض بكثرة الإصلاحات، تأخذ من سمات سابقاتها التي أبان التاريخ عن فشلها الذريع، فالرؤية الاستراتيجية 2015/2030، رغم أنها أخذت المشاورات المسبقة واقتراحات القاعدة والفاعلين المباشرين في مجال التربية والتكوين المبنية على التشخيص والتقارير الداخلية ومشاركة أزيد من 103109 مشارك في صياغة التّصور الأولي للتدابير ذات الأولوية، حسب ما صرّحت به الوزارةُ، إلا أنها  قاصرة عن وضع الأصبع على مكمن الدّاء بشكل مضبوط، ولعل اتجاه الوزارة الوصية -الآن- إلى اختصار الرؤية الاستراتيجية العامة في  ثلاثة مجالات للتدخل وستة عشر مشروعا وفق الهندسة العامة لحافظة المشاريع المندمجة الجديدة التي تأتي قبل التأطير المالي للرؤية الاستراتيجية، إلا القليل من هذا التدبير الأعرج الظرفي الذي يتعشْعَش في مُستنقع المصطلحات والمفاهيم الممططة التي لا تصل إلى واقع المؤسسات التعليمية إلا في شكل اجتماعات مسكوكة، غالبا ما تدبر بطريقة سابقاتها.  فما الفائدة من المذكرة الوزارية رقم 17/114،الخاصَة باستعمال وسائل التكنلوجيا في الممارسة التربوية وهناك مؤسسات بدون كهرباء، أو مسلاط واحد يتقاسمه أزيد من ثلاثين أستاذا، أو تقزيم طلب منح حواسيب لموظفي التعليم إسوة بما تمّ في وزارات أخرى ونعتُ تلك الصّيحات المنطقية بالنشاز والمزايدات الفارغة. إن البدايات المُسْتعصية غالبا ما تفرز نتائج مثلها، ومن أشبه أباه فما ظلم.
سُعداء جدا أننا في الحقل التربوي التعليمي – كرقم مُغيَّب في مُعادلة التغيير- نمتلك غِلافا زمنيا ممتدا و فسيحا يسمح بالتجريب والاصلاح وجسّ بواطن العثرات، بل وانتظار الاصلاح المنشود حتى يأتي رُويدا من تلقاء نفسِه، فقدرتنا على الصّبر والايمان بمقولة “سْلَّكْ أُعْدِّي”، كبيرة جدا، فنحن نتوفر على قدرة هائلة على الاصرار والاستمرار في الاصلاح رغم كشف عَوْراتنا وعُيوبنا في المخططات السّابقة. ورُبما هذا ما يميز تجربة هذا البلد العجيب إذا قارناه ببلدان هشّة تنمويا تبوأت مراتب أولى قبلنا.
ليس من السّهل حقا، إطلاق كلمة أزمة التدبير، لكن تركيز الوزارة في الرافعة 23 ضمن المجال الرابع من الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، على كلمة تدبيـــــــر التغيير لَيَحْمِل أكثر من دلالة، ويؤكد بشكل فاضح أنّ ثمَّة شُذوذا تدبيريا عسِيرا ينخُرُ جسْم هذا المجال.

مواضيع مشابهة

Back to top button