أيها الأستاذ المتدرب: أُكِلْتَ يوم أُكل الثور الأبيض..عزاؤنا واحد
مراسلة : ذ. سعيد الشقروني
“نحن لا ننسى أبداً .. ولكن نغمض أعيننا قليلاً لكي نستطيع أن نعيش”. واسيني الأعرج
يجب أن نُقِر بأن ما وقع للأساتذة اليوم من تدخلات وحشية هو نتيجة طبيعية لمشروع إعلامي مُمَنْهَج حُشدت له من الآليات والأقلام والاستراتيجيات ما جعل بائع النعناع، وبائع الدجاج بالتقسيط، وبائع الملابس النسائية الداخلية المستعملة –مع احترامنا لكل المهن الشريفة- يُنادون زبناءهم بأستاذ وأستاذة ..
جميعنا يتذكر تلك الأخبار والمواقف والأحداث والفيديوهات التي صورت الأستاذ في لقطات ومشاهد غير أخلاقية وغير تربوية. وجميعنا يتذكر كيف كانت إحدى القنوات الوطنية تَنْقُل خبر اغتصاب معلم لتلميذة أو تلميذ، وكأن باقي موظفي الدولة وخصوصا أصحاب السلط منهم –ولا أريد أن أقدم مثالا على ذلك- نزع الله عنهم الشهوة والرغبة وعصمهم من الخطأ..
وبالأمس القريب، سمعنا عن تلميذ بَتَرَ ذراع أستاذه، وسمعنا عن أب ضرب معلم ابنه بسلسلة حديدية، إلى غيرها من الأمثلة البئيسة..
وبالأمس القريب قبل “الخريف العربي”، عُنف دكاترة التعليم المدرسي في شوارع الرباط، وعنف معهم الأساتذة المطالبين بتغيير الإطار..
يجب أن ننسى أن التعليم أصبح ظاهرة إعلامية، وأن انخراط زملائنا من الأساتذة بقصد أو بدونه في العديد من المنتديات، ساهم في إشاعة وفي تشكيل تمثلات سيئة عن أسرة التعليم، وساهم في تعميق الندوب على وجه إطار التربية والتكوين والتمثيل بصورة الأستاذ في المجتمع، التي لم تعد في الأصل على ما يرام حيث التبجيل والتوقير والاحترام..ولنا ولكم في النكت الدائرة رحاها على رجل التعليم والفقيه باعتبارهما مدخلين من مداخل بناء مجتمع القيم أسوة سيئة، ولذاكرتك أيها القارئ العزيز أن تتذكر..
كل هذا التشويش والتشويه لسمعة الأستاذ لن ينسينا التضحيات الكبيرة التي قام ولا يزال يقوم بها نساء ورجال التعليم..
أمام هذا الوضع، الجميع مطالب بمراجعة الأسباب التي أدت إلى اندحار قيمة المربي في المجتمع، والجميع مطالب بالانخراط في صناعة وعي قيمي جديد لهذه الشريحة المجتمعية..
لقد نجح من نجح في تفييئ مطالب نساء ورجال التعليم.. ونجح المهندسون الذين اختفوا خلف الحكومات السابقة وهذه الحكومة في صناعة الكراهية بين نساء ورجال التعليم إلى درجة القطيعة بينهم بسبب جدول الحصص إلخ.. ونجح المهندسون في إفراغ النقابات من ماهيتها وإفراغها من المناضلين.. ونجح المهندسون أيضا في زرع روح اليأس في نفوس الأساتذة..
المقام اليوم، مقام عزاء.عزاء في وفاة النفوس الأبية غير القادرة على الانخراط في تغيير الواقع. العزاء في النفوس التي تجعل من المستضعفين حطبا للحصول على مكاسب سياسية. والعزاء في النفوس المستعدة لإغراق السفينة لأن لها حسابات مع قمرة القيادة. والعزاء في النفوس التي تخلط الأوراق وتنفخ الأوداج وتقلب الطاولة عندما تقهر أطروحاتها. والعزاء للنفوس التي أتت العطار تبغي شبابها ولم تعلم بأن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر.
عزاؤنا في للنفوس التي تستعمل المعاجم الكبرى للمناصب السفلى. العزاء في النفوس التي كفرت بقدرتها على التغيير. العزاء للنفوس التي يجرفها أي تيار. العزاء للنفوس التي تكتفي بالحوقلة، وتظن أن الشيطان يذهب بالبسملة.العزاء لي ولكم أيها الأساتذة..
عزاؤنا للنفوس التي تسير وتشتكي وليس بها داء.عزاؤنا في حكومة “يؤكل بفمها التومة”..
هنيئا لك يا شوقي يا صاحب “قم للمعلم وفِّه التبجيلا … كاد المعلم أن يكون رسولا”..هنيئا لك بوفاتك التي لم تشهد فيها ما آل إليه وضع المعلم الآن، لأن إبراهيم طوقان قال: “يا من يريد الانتحار وجدته … إن المعلم لا يعيش طويلا”.
كل التضامن مع الأساتذة المتدربين المرابطين الذين يرفضون أن يتحولوا إلى عبيد..
وتبت يدا العنف وتب.