الثانية باك فلسفة
إشكالية الفلسفة في البكالوريا
إشكالية الفلسفة في البكالوريا
بين الحفظ والفهم
يعيش الطلبة هذه الأيام حمى امتحانات البكالوريا بنوع من القلق و الاضطراب في الوقت الذي يفترض أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم بعد حركة دءوبة من المراجعة والمذاكرة في جميع المواد وبالذات منها مادة الفلسفة.
إذا كان امتحان البكالوريا في العرف محددا لمستقبل الطالب انطلاقا من مدي أهمية الشهادة في تحديد مصيره فان مادة الفلسفة تبقى الهاجس الأكبر رغم أن نمط المواضيع المطروحة في المادة مستوحى حرفيا من البرنامج الوزاري المقرر، فهي دقيقة الإعداد، وغير قابلة للتأويل بتاتا، إلا أن مشكلة المعاناة لدى الطلبة تكمن في الحفظ و الفهم، سؤال مقلق، كثيرا ما يسأله الطلبة، هل نحفظ أستاذا أم نفهم ؟ هل نحفظ مقالات ؟ ناهيك عن سؤال التوقعات والاحتمالات،كم هو مقلق أيضا هذا السؤال، وكأن الأستاذ أصبح قزانا، لكنه في الوقت نفسه نافذة حقيقية نطل من خلالها على خفايا الروح التي يتمتع بها طلبتنا، وهي غياب روح التفلسف، وروح الفهم الحقيقية عند هؤلاء، إذا أين هي المشكلة في التعامل مع المواضيع المطروحة في البكالوريا ؟
إذا كان هناك صعوبة في التعامل مع مادة الفلسفة فانه لا خلاف أن هذه الصعوبة ترجع أساسا إلى عامل الفهم لذلك يلجأ الطلبة إلى الحفظ لشعورهم بعدم القدرة على توظيف معارفهم وبعجزهم عن التعبير بذاتهم لما يواجههم من صعوبات.
الصعوبات: إذا كان هناك ما يحيل دون الفهم الجيد للمواضيع المطروحة، فانه يعود إلي عدم القدرة علي تنظيم المعلومات وتوزيعها بين ما هو علمي وما هو أدبي وبين ما هو ذهني وبين ما يتطلب التركيز والحفظ وبين ما يتطلب الفهم، فعدم التنظيم للمعلومات وتوزيعها يحيل دون الفهم الجيد للمواضيع المطروحة، لذا لابد من العمل علي استغلال كل الوقت الممنوح للإجابة، فالوقت لم يوضع عبثا، بل نتيجة لتقديرات المختصين.
وإذا كانت العلوم في الماضي تقف عند حدود الملاحظة الخارجية في تفسيرها للسلوك، فان التجارب العلمية الحديثة كشفت عن ما تخفيه النفس البشرية من قدرات و طاقة لا يستهان بها فأصبح تفسير السلوك بفضل المنهج العلمي، لا يعتمد على الملاحظة الخارجية فقط، بل على الاستقصاء و البحث عن العلل التي تقف وراءه، عندها تمكن من الوصول إلى نتائج أثبتت فاعليتها، فالمقارن بين النتائج المحصل عليها في الماضي و النتائج المحصل عليها في الحاضر، تبين أن منتج التربية الحديثة أفضل من منتج التربية التقليدية التي كان يغلب عليها الطابع النظري، لاعتمادها على الحفظ كوسيلة أكثر من الفهم عكس التربية الحديثة التي نهجت عكس هذا النهج.
إن الفهم و الحفظ وظيفتان من الوظائف العليا للعقل البشري، لكل منهما قيمة لا تقل عن الأخرى في عملية التعلم، فلولا الفهم لما تم التواصل و لولا الحفظ لما تم استمرار التواصل، ورغم هذه الأهمية التي لا ينكرها سائل،يبقى السؤال النفعي قائما،أيهما أكثر فائدة هل هو الحفظ أم هو الفهم ؟ للإجابة لابد من التعرف على معنى وأهمية الحفظ والفهم وموقع كل منهما في عملية التعلم.
معنى الفهم: هو “تصور المعنى من لفظ المخاطب” أي أن تصور المعنى لا يكون من خلال اللفظ فقط إنما قد يحدث بفعل منبهات أخرى، مثل الحركة و الرمز، و الفهم هو “إدراك موضوع التفكير و تحديده و استخلاص المدلول من الدال عليه”. لكن السؤال كيف تتم عملية الفهم ؟ إذا كان الفهم “يحصل بقوة الذهن التي هي استعداد تام لإدراك العلوم و المعارف بالفكر” فأن عملية الفهم تعتمد على درجة من الوعي تحدثها قدرات الإنسان الفكرية، حين تتعرض لمنبهات خارجية أو داخلية مثلا المواضيع المطروحة في البكالوريا هي بمثابة المنبه الخارجي للطالب.
أهمية الفهم: بما أن الفهم هو “درجة بارزة من الوعي، يحدثها منبه و يتفاعل معها الذهن بمجمل قدراته الفكرية” فلاشك في أن للأستاذ و الطالب نصيب فيه لا يقل نسبة كل منهما عن الآخر، إلا بمقدار قد يزيد أو ينقص فالاستعداد موجود لديهما.
إن المعرفة ليست غاية في ذاتها، إنما هي وسيلة ضرورية بل و أساسية في عملية الفهم لذا لابد على الطالب المقبل على امتحان شهادة البكالوريا، و في مادة الفلسفة بالذات، أن يعرف أوليات و أبجديات لا غنى عنها لكي يتمكن من فهم المواضيع المطلوبة للمعالجة، لذا يجب أن تكون لديه القدرة و الاستعداد للفهم: على سبيل المثال نطرح الموضوع التالي: “هل القيمة الأخلاقية كامنة في الفعل في حد ذاته أم في الطوية أي النية ؟” للإجابة، المطلوب الفهم للموضوع، حتى نتمكن من معالجته وفقا لخطوات منهجية متبعة في كتابة المقالة الفلسفية حسب كل طريقة، فعملية الفهم بحاجة إلى زاد معرفي أولي لكي يعرف الطالب، معنى القيمة الأخلاقية، و أقسام الفعل، التي تم دراستها في مادة العلوم الطبيعية، ولكن ما يعنينا، الفعل الإرادي، فهو الذي يدخل في دائرة الأخلاق (…) و كذلك ماذا نعني بحد ذاته، و الطوية أو النية، و بمعنى آخر عملية الفهم تتطلب : أن نحلل الموضوع، لغويا، ثم نتساءل بتفلسف عن ألفاظه الغامضة، ثم نخرج بتصور منطقي لما هو مطلوب، وهذا التصور هو ما يعبر عن فهمي، وإذا كان هناك اختلاف في الفهم عن زميل آخر، فانه من حيث المبدأ، رغم اختلافي مع زميلي، إلا أن هناك مبادئ عامة يجب أن نتفق فيها، و هي انه توجد ثوابت و متغيرات..الخ
و بعد عملية الفهم، نلجأ إلى إعادة صياغة الموضوع المطروح إلى سؤال جديد، و هو ما نعتبره المشكلة المطروحة في الموضوع المطلوب الإجابة عليه، و من هذه المشكلة التي أصغناها، بعد فهمنا للموضوع، نحدد طريقة المعالجة، و ما يساهم في تحديد الطريقة، هو أيضا القاعدة التي اعرفها في ذهني ( أحفظها ) ، وهي أن طبيعة القيمة الأخلاقية من حيث المبدأ تشترك فيها عوامل داخلية و أخرى خارجية…الخ و بعد ذلك أقوم بوضع خطة التوسع،حسب طريقة المعالجة التي اخترتها.
1) طرح الإشكال: يُشَكل من عملية فهمي للموضوع، والصياغة الجديدة، بمثابة المشكلة التي حددت طريقة المعالجة.
2) محاولة الحل: وفقا لطريقة المعالجة، بخطوات، نتبعها طيلة عملية التحليل، بثلاث مراحل.
3) حل المشكلة: وهي بمثابة الإجابة على الموضوع، السؤال، الذي تم اختياره للمعالجة، وتكون الإجابة، بحدود السطر دون تجاوز السطران كحد أقصى، إما أن تكون مباشرة، و إما بسؤال، حبذا لو كان البدء بـ إذاً أو وعليه…الخ. وفي كلا الحالتين يبقى مجال البحث الفلسفي مفتوحا.
متطلبات عملية الفهم: أولا: ضرورة معرفة الفرق بين الفلسفة و التفلسف ثانيا: معرفة الفرق بين ما نتفق و ما نختلف فيه، العلم و الفلسفة ، الثابت و المتغير، ويجب أن ندرك رغم ثبات العلم، بأنه ليس بمطلق، وأن ما نتفق فيه، يمكن أن يتغير –الزمان و المكان- وما نختلف فيه ليس بأبد، ولا بالمطلق، فيمكن أن نتفق رغم الاختلاف و نختلف رغم الاتفاق، فهذا هو ما يجب أن يشكل جوهر عقل الطالب، كمبادئ أولية على الأقل ينطلق منها في عملية الفهم، و إلا لا يستطيع فهم الموضوع الفلسفي المطروح عليه، و التعامل معه بمنطقية، ودرجة الفهم هي التي تحدد، نسبة بعد أو قرب درجة ما أُكتُسبَ خلال العام الدراسي، فيمكن للفهم أو نسبة الوعي أن تقتصر على حد البعد التعليمي (الحفظ) وتقف دون حدود البعد التربوي، مثلا إذا أدرك الطالب أو فهم قواعد و قانون المرور، يكون قد حقق بعدا معرفيا تعليميا وهذه هي بالطبع درجة من الفهم، أما و في حالة ما إذا تجاوز هذا البعد و تمكن من إدراك الغاية أو الهدف من قانون المرور و هو المحافظة على أمن الجميع وسلامة المجتمع، و اقتنع الطالب بذلك ، عندها يكون قد حقق بعدا تربويا (الفهم)، لأنه أصبح يتحكم في سلوكه، بعد أن أصبح يعي و يفهم بأن هذا التحكم في السلوك هو الوسيلة التي يحافظ بها على النظام و المصلحة العامة، وهذه الأخيرة تتضمن بدورها المصلحة الخاصة، فكل طالب يمتلك نقاط من القوة، فما عليه إلا قليلا من التأمل والتفكير.
إذا درجة الفهم إما أن تبقى في حدود التعليم، أي في حدود المعرفة (الحفظ) ، و إما أن تتجاوزها إلى ساحة التربية (الفهم) حينما نتعمق في روح المعرفة، لذا لابد من تجاوز مادة المعرفة إلى روحها و الغوص في أعماقها. فقد سبق و أن أشار أفلاطون إلى أن هناك من يعرف ويعلم الخير، لكنه مع ذلك يقبل وهو شاعر على فعل الشر، سواء تجاه نفسه، أو تجاه غيره، مثل المدخن في غرفة نومه و إلى جانبه ابنه الرضيع، فإذا ما تصورنا المعرفة في حدود التحصيل و الحفظ فحسب، فهي ليست في محلها، و أما إذا تصورنا المعرفة في مستوى الفهم و الوعي، فإن الأمر يختلف تماما حينئذ تصبح الفكرة (حفظ و فهم) صائبة إلى حد بعيد، ذلك أن الطالب إذا ما أدرك روح المعرفة و استوعبها وعيا و فهما جيدا، تغير سلوكه، بفعل هذا التغيير الذي طرأ على مستوى الفهم و درجة الوعي، إذا ما حصل،أن أوصلنا إلى الخير.
فإذا كان للفهم تأثير في حياة الإنسان، فان له ميزة ثانية، فهو يساعد المتعلم على إدراك أمر آخر بيسر، نظرا لأن طبيعة العقل مزودة بجملة من القدرات الذهنية المختلفة، قدرة على التجريد و التعميم، والمقارنة و الاستنتاج، والتقييم و الحكم، هذه القدرات و غيرها تساعد المتعلم على الفهم أكثر و الزيادة في درجة الوعي.
وهكذا فإن عمر الوعي و الفهم ممتدة عموديا و أفقيا ، عبر الزمان، فهما يساعدان على توسيع المعرفة لدى المتعلم، إضافة إلى أهمية الفهم هذه، يعمل أيضا على استغلال و تنمية القدرات الذهنية للإنسان، وفي هذه الحالة يبقى مصير الطالب بين يدي أستاذته، فعليهم أن يحسنوا الكيفية التي يحصل بها الفهم وزيادة الوعي، بكيفية تنشط فاعلية القدرات الذهنية، تغير السلوك نحو ما هو أفضل، عندها نضع الطالب على عتبة العقل المنفتح.
معنى الحفظ: هو “ضبط الصور المدركة” فالحفظ وظيفة من وظائف الذاكرة، وبدونه لا يمكن أن تشتغل الذاكرة، لأن القدرات الذهنية تتشابك فيما بينها و تشكل ما يعرف بحركة الفكر.
أهمية الحفظ: مما لاشك فيه أن للقدرات الذهنية أهميتها و قيمتها، في شبكة علاقات تساعد علي عملية التحصيل رغم أن هذه القيمة قد تزيد أو تنقص إلا أنها ثابتة الوجود، دائما فهي ضرورية لتفعيل الحركة الذهنية، وهي لا تحدث و لا تستقيم بدونها، فأهمية الحفظ قائمة بدون جدال، فإذا تساءلنا هل نحفظ أم نفهم ؟ ليس المقصود من الإجابة هو الإثبات أو النفي رغم عدم إنكارنا لقيمة و أهمية الحفظ ، إنما الهدف المراد، هو إبراز الدور العلمي الذي تلعبه هذه القدرة أو تلك.
إذا ارتبطت المدرسة التقليدية بالحفظ ، لاعتقادها بأنه السلاح الأمثل للإحاطة بهذه المعرفة و امتلاكها ، ولأن الطالب في مرحلة طفولته الأولى و حتى الثانية مهيأ للحفظ، ثم تأتي مرحلة الفهم، فهذه نظرة تجريبية صائبة، إن تصور أهمية الحفظ، لا ينفيه الواقع و لا حتى التجارب العلمية، حيث كانت المعارف تلخص و تدون في متون و تحفظ، من أجل الإحاطة بها، فقد سار الأقدمون في طريق هذا النسق الذي أفرزته مرحلة تميزت بالركود و الجمود من مراحل الحضارة، و رغم المبالغة في استغلال قدرة الحافظة أكثر من غيرها، إلا أننا لا نخفى نتيجتها الإيجابية ، فالحفظ زاد الطفل وهو صغير ، يساعده و يسانده في عملية الفهم و هو كبير، بعدها تنمو قدرته الذهنية، وحين تنضــج قدرته ينتقل بنفسه من مرحلة التعليم، مرحلة توجيه غيره له إلى مرحلة التعلم، فيكون بإمكانه أن يتعلم بنفسه، ينتقل من مرحلة الاكتساب إلى مرحلة الكسب بذاته، من مرحلة التخزين إلى مرحلة الإنتاج و الاستثمار وفي جميع الحالات فإن دور الحفظ يبقى فاعلا، غير أن الخطأ الذي يقع فيه الطلبة اليوم، هو الاهتمام ببعض القدرات الذهنية و إهمال قدرات أخرى، الاهتمام بالحفظ و إهمال الفهم ، عندها يتقزم دور القدرات المهملة و تتشوه عملية التعليم و تنحر عملية التربية. و في الأخير هناك مرحلة يكون فيها الطالب أكثر استعدادا للحفظ من الفهم ، يجب استغلالها، لكن ليس معنى ذلك أن نتجاوز عملية الفهم فلابد للطالب من استغلال قدراته و إمكانياته الإدراكية، و كذالك الأمر بالنسبة للفهم، فهو المبدأ و الهدف، يجب أن يحدث في الوقت الذي يجب أن يكون فيه و بالمقدار الذي يكون. لأن بناء المواضيع الفلسفية تستهدف اكتشاف مختلف القدرات الفكرية كالتحصيل والتركيب، ويغلب الجانب الفكري علي جانب التحصيل، وتبقى إشكالية الفلسفة في البكالوريا مطروحة، وفق الله أبناؤنا طريق السداد. أنظر،السعيد هيمه، حديث عن التربية ج1 ، دار هومة 2002،أيضا، المنشور الوزاري رقم، 01 في 17 فيفري،2007، التكفل بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي، ورقم 493 في 14/11/ 2006 متعلق بالمنافسات العلمية والتربوية، وزارة التربية الوطنية،
بين الحفظ والفهم
يعيش الطلبة هذه الأيام حمى امتحانات البكالوريا بنوع من القلق و الاضطراب في الوقت الذي يفترض أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم بعد حركة دءوبة من المراجعة والمذاكرة في جميع المواد وبالذات منها مادة الفلسفة.
إذا كان امتحان البكالوريا في العرف محددا لمستقبل الطالب انطلاقا من مدي أهمية الشهادة في تحديد مصيره فان مادة الفلسفة تبقى الهاجس الأكبر رغم أن نمط المواضيع المطروحة في المادة مستوحى حرفيا من البرنامج الوزاري المقرر، فهي دقيقة الإعداد، وغير قابلة للتأويل بتاتا، إلا أن مشكلة المعاناة لدى الطلبة تكمن في الحفظ و الفهم، سؤال مقلق، كثيرا ما يسأله الطلبة، هل نحفظ أستاذا أم نفهم ؟ هل نحفظ مقالات ؟ ناهيك عن سؤال التوقعات والاحتمالات،كم هو مقلق أيضا هذا السؤال، وكأن الأستاذ أصبح قزانا، لكنه في الوقت نفسه نافذة حقيقية نطل من خلالها على خفايا الروح التي يتمتع بها طلبتنا، وهي غياب روح التفلسف، وروح الفهم الحقيقية عند هؤلاء، إذا أين هي المشكلة في التعامل مع المواضيع المطروحة في البكالوريا ؟
إذا كان هناك صعوبة في التعامل مع مادة الفلسفة فانه لا خلاف أن هذه الصعوبة ترجع أساسا إلى عامل الفهم لذلك يلجأ الطلبة إلى الحفظ لشعورهم بعدم القدرة على توظيف معارفهم وبعجزهم عن التعبير بذاتهم لما يواجههم من صعوبات.
الصعوبات: إذا كان هناك ما يحيل دون الفهم الجيد للمواضيع المطروحة، فانه يعود إلي عدم القدرة علي تنظيم المعلومات وتوزيعها بين ما هو علمي وما هو أدبي وبين ما هو ذهني وبين ما يتطلب التركيز والحفظ وبين ما يتطلب الفهم، فعدم التنظيم للمعلومات وتوزيعها يحيل دون الفهم الجيد للمواضيع المطروحة، لذا لابد من العمل علي استغلال كل الوقت الممنوح للإجابة، فالوقت لم يوضع عبثا، بل نتيجة لتقديرات المختصين.
وإذا كانت العلوم في الماضي تقف عند حدود الملاحظة الخارجية في تفسيرها للسلوك، فان التجارب العلمية الحديثة كشفت عن ما تخفيه النفس البشرية من قدرات و طاقة لا يستهان بها فأصبح تفسير السلوك بفضل المنهج العلمي، لا يعتمد على الملاحظة الخارجية فقط، بل على الاستقصاء و البحث عن العلل التي تقف وراءه، عندها تمكن من الوصول إلى نتائج أثبتت فاعليتها، فالمقارن بين النتائج المحصل عليها في الماضي و النتائج المحصل عليها في الحاضر، تبين أن منتج التربية الحديثة أفضل من منتج التربية التقليدية التي كان يغلب عليها الطابع النظري، لاعتمادها على الحفظ كوسيلة أكثر من الفهم عكس التربية الحديثة التي نهجت عكس هذا النهج.
إن الفهم و الحفظ وظيفتان من الوظائف العليا للعقل البشري، لكل منهما قيمة لا تقل عن الأخرى في عملية التعلم، فلولا الفهم لما تم التواصل و لولا الحفظ لما تم استمرار التواصل، ورغم هذه الأهمية التي لا ينكرها سائل،يبقى السؤال النفعي قائما،أيهما أكثر فائدة هل هو الحفظ أم هو الفهم ؟ للإجابة لابد من التعرف على معنى وأهمية الحفظ والفهم وموقع كل منهما في عملية التعلم.
معنى الفهم: هو “تصور المعنى من لفظ المخاطب” أي أن تصور المعنى لا يكون من خلال اللفظ فقط إنما قد يحدث بفعل منبهات أخرى، مثل الحركة و الرمز، و الفهم هو “إدراك موضوع التفكير و تحديده و استخلاص المدلول من الدال عليه”. لكن السؤال كيف تتم عملية الفهم ؟ إذا كان الفهم “يحصل بقوة الذهن التي هي استعداد تام لإدراك العلوم و المعارف بالفكر” فأن عملية الفهم تعتمد على درجة من الوعي تحدثها قدرات الإنسان الفكرية، حين تتعرض لمنبهات خارجية أو داخلية مثلا المواضيع المطروحة في البكالوريا هي بمثابة المنبه الخارجي للطالب.
أهمية الفهم: بما أن الفهم هو “درجة بارزة من الوعي، يحدثها منبه و يتفاعل معها الذهن بمجمل قدراته الفكرية” فلاشك في أن للأستاذ و الطالب نصيب فيه لا يقل نسبة كل منهما عن الآخر، إلا بمقدار قد يزيد أو ينقص فالاستعداد موجود لديهما.
إن المعرفة ليست غاية في ذاتها، إنما هي وسيلة ضرورية بل و أساسية في عملية الفهم لذا لابد على الطالب المقبل على امتحان شهادة البكالوريا، و في مادة الفلسفة بالذات، أن يعرف أوليات و أبجديات لا غنى عنها لكي يتمكن من فهم المواضيع المطلوبة للمعالجة، لذا يجب أن تكون لديه القدرة و الاستعداد للفهم: على سبيل المثال نطرح الموضوع التالي: “هل القيمة الأخلاقية كامنة في الفعل في حد ذاته أم في الطوية أي النية ؟” للإجابة، المطلوب الفهم للموضوع، حتى نتمكن من معالجته وفقا لخطوات منهجية متبعة في كتابة المقالة الفلسفية حسب كل طريقة، فعملية الفهم بحاجة إلى زاد معرفي أولي لكي يعرف الطالب، معنى القيمة الأخلاقية، و أقسام الفعل، التي تم دراستها في مادة العلوم الطبيعية، ولكن ما يعنينا، الفعل الإرادي، فهو الذي يدخل في دائرة الأخلاق (…) و كذلك ماذا نعني بحد ذاته، و الطوية أو النية، و بمعنى آخر عملية الفهم تتطلب : أن نحلل الموضوع، لغويا، ثم نتساءل بتفلسف عن ألفاظه الغامضة، ثم نخرج بتصور منطقي لما هو مطلوب، وهذا التصور هو ما يعبر عن فهمي، وإذا كان هناك اختلاف في الفهم عن زميل آخر، فانه من حيث المبدأ، رغم اختلافي مع زميلي، إلا أن هناك مبادئ عامة يجب أن نتفق فيها، و هي انه توجد ثوابت و متغيرات..الخ
و بعد عملية الفهم، نلجأ إلى إعادة صياغة الموضوع المطروح إلى سؤال جديد، و هو ما نعتبره المشكلة المطروحة في الموضوع المطلوب الإجابة عليه، و من هذه المشكلة التي أصغناها، بعد فهمنا للموضوع، نحدد طريقة المعالجة، و ما يساهم في تحديد الطريقة، هو أيضا القاعدة التي اعرفها في ذهني ( أحفظها ) ، وهي أن طبيعة القيمة الأخلاقية من حيث المبدأ تشترك فيها عوامل داخلية و أخرى خارجية…الخ و بعد ذلك أقوم بوضع خطة التوسع،حسب طريقة المعالجة التي اخترتها.
1) طرح الإشكال: يُشَكل من عملية فهمي للموضوع، والصياغة الجديدة، بمثابة المشكلة التي حددت طريقة المعالجة.
2) محاولة الحل: وفقا لطريقة المعالجة، بخطوات، نتبعها طيلة عملية التحليل، بثلاث مراحل.
3) حل المشكلة: وهي بمثابة الإجابة على الموضوع، السؤال، الذي تم اختياره للمعالجة، وتكون الإجابة، بحدود السطر دون تجاوز السطران كحد أقصى، إما أن تكون مباشرة، و إما بسؤال، حبذا لو كان البدء بـ إذاً أو وعليه…الخ. وفي كلا الحالتين يبقى مجال البحث الفلسفي مفتوحا.
متطلبات عملية الفهم: أولا: ضرورة معرفة الفرق بين الفلسفة و التفلسف ثانيا: معرفة الفرق بين ما نتفق و ما نختلف فيه، العلم و الفلسفة ، الثابت و المتغير، ويجب أن ندرك رغم ثبات العلم، بأنه ليس بمطلق، وأن ما نتفق فيه، يمكن أن يتغير –الزمان و المكان- وما نختلف فيه ليس بأبد، ولا بالمطلق، فيمكن أن نتفق رغم الاختلاف و نختلف رغم الاتفاق، فهذا هو ما يجب أن يشكل جوهر عقل الطالب، كمبادئ أولية على الأقل ينطلق منها في عملية الفهم، و إلا لا يستطيع فهم الموضوع الفلسفي المطروح عليه، و التعامل معه بمنطقية، ودرجة الفهم هي التي تحدد، نسبة بعد أو قرب درجة ما أُكتُسبَ خلال العام الدراسي، فيمكن للفهم أو نسبة الوعي أن تقتصر على حد البعد التعليمي (الحفظ) وتقف دون حدود البعد التربوي، مثلا إذا أدرك الطالب أو فهم قواعد و قانون المرور، يكون قد حقق بعدا معرفيا تعليميا وهذه هي بالطبع درجة من الفهم، أما و في حالة ما إذا تجاوز هذا البعد و تمكن من إدراك الغاية أو الهدف من قانون المرور و هو المحافظة على أمن الجميع وسلامة المجتمع، و اقتنع الطالب بذلك ، عندها يكون قد حقق بعدا تربويا (الفهم)، لأنه أصبح يتحكم في سلوكه، بعد أن أصبح يعي و يفهم بأن هذا التحكم في السلوك هو الوسيلة التي يحافظ بها على النظام و المصلحة العامة، وهذه الأخيرة تتضمن بدورها المصلحة الخاصة، فكل طالب يمتلك نقاط من القوة، فما عليه إلا قليلا من التأمل والتفكير.
إذا درجة الفهم إما أن تبقى في حدود التعليم، أي في حدود المعرفة (الحفظ) ، و إما أن تتجاوزها إلى ساحة التربية (الفهم) حينما نتعمق في روح المعرفة، لذا لابد من تجاوز مادة المعرفة إلى روحها و الغوص في أعماقها. فقد سبق و أن أشار أفلاطون إلى أن هناك من يعرف ويعلم الخير، لكنه مع ذلك يقبل وهو شاعر على فعل الشر، سواء تجاه نفسه، أو تجاه غيره، مثل المدخن في غرفة نومه و إلى جانبه ابنه الرضيع، فإذا ما تصورنا المعرفة في حدود التحصيل و الحفظ فحسب، فهي ليست في محلها، و أما إذا تصورنا المعرفة في مستوى الفهم و الوعي، فإن الأمر يختلف تماما حينئذ تصبح الفكرة (حفظ و فهم) صائبة إلى حد بعيد، ذلك أن الطالب إذا ما أدرك روح المعرفة و استوعبها وعيا و فهما جيدا، تغير سلوكه، بفعل هذا التغيير الذي طرأ على مستوى الفهم و درجة الوعي، إذا ما حصل،أن أوصلنا إلى الخير.
فإذا كان للفهم تأثير في حياة الإنسان، فان له ميزة ثانية، فهو يساعد المتعلم على إدراك أمر آخر بيسر، نظرا لأن طبيعة العقل مزودة بجملة من القدرات الذهنية المختلفة، قدرة على التجريد و التعميم، والمقارنة و الاستنتاج، والتقييم و الحكم، هذه القدرات و غيرها تساعد المتعلم على الفهم أكثر و الزيادة في درجة الوعي.
وهكذا فإن عمر الوعي و الفهم ممتدة عموديا و أفقيا ، عبر الزمان، فهما يساعدان على توسيع المعرفة لدى المتعلم، إضافة إلى أهمية الفهم هذه، يعمل أيضا على استغلال و تنمية القدرات الذهنية للإنسان، وفي هذه الحالة يبقى مصير الطالب بين يدي أستاذته، فعليهم أن يحسنوا الكيفية التي يحصل بها الفهم وزيادة الوعي، بكيفية تنشط فاعلية القدرات الذهنية، تغير السلوك نحو ما هو أفضل، عندها نضع الطالب على عتبة العقل المنفتح.
معنى الحفظ: هو “ضبط الصور المدركة” فالحفظ وظيفة من وظائف الذاكرة، وبدونه لا يمكن أن تشتغل الذاكرة، لأن القدرات الذهنية تتشابك فيما بينها و تشكل ما يعرف بحركة الفكر.
أهمية الحفظ: مما لاشك فيه أن للقدرات الذهنية أهميتها و قيمتها، في شبكة علاقات تساعد علي عملية التحصيل رغم أن هذه القيمة قد تزيد أو تنقص إلا أنها ثابتة الوجود، دائما فهي ضرورية لتفعيل الحركة الذهنية، وهي لا تحدث و لا تستقيم بدونها، فأهمية الحفظ قائمة بدون جدال، فإذا تساءلنا هل نحفظ أم نفهم ؟ ليس المقصود من الإجابة هو الإثبات أو النفي رغم عدم إنكارنا لقيمة و أهمية الحفظ ، إنما الهدف المراد، هو إبراز الدور العلمي الذي تلعبه هذه القدرة أو تلك.
إذا ارتبطت المدرسة التقليدية بالحفظ ، لاعتقادها بأنه السلاح الأمثل للإحاطة بهذه المعرفة و امتلاكها ، ولأن الطالب في مرحلة طفولته الأولى و حتى الثانية مهيأ للحفظ، ثم تأتي مرحلة الفهم، فهذه نظرة تجريبية صائبة، إن تصور أهمية الحفظ، لا ينفيه الواقع و لا حتى التجارب العلمية، حيث كانت المعارف تلخص و تدون في متون و تحفظ، من أجل الإحاطة بها، فقد سار الأقدمون في طريق هذا النسق الذي أفرزته مرحلة تميزت بالركود و الجمود من مراحل الحضارة، و رغم المبالغة في استغلال قدرة الحافظة أكثر من غيرها، إلا أننا لا نخفى نتيجتها الإيجابية ، فالحفظ زاد الطفل وهو صغير ، يساعده و يسانده في عملية الفهم و هو كبير، بعدها تنمو قدرته الذهنية، وحين تنضــج قدرته ينتقل بنفسه من مرحلة التعليم، مرحلة توجيه غيره له إلى مرحلة التعلم، فيكون بإمكانه أن يتعلم بنفسه، ينتقل من مرحلة الاكتساب إلى مرحلة الكسب بذاته، من مرحلة التخزين إلى مرحلة الإنتاج و الاستثمار وفي جميع الحالات فإن دور الحفظ يبقى فاعلا، غير أن الخطأ الذي يقع فيه الطلبة اليوم، هو الاهتمام ببعض القدرات الذهنية و إهمال قدرات أخرى، الاهتمام بالحفظ و إهمال الفهم ، عندها يتقزم دور القدرات المهملة و تتشوه عملية التعليم و تنحر عملية التربية. و في الأخير هناك مرحلة يكون فيها الطالب أكثر استعدادا للحفظ من الفهم ، يجب استغلالها، لكن ليس معنى ذلك أن نتجاوز عملية الفهم فلابد للطالب من استغلال قدراته و إمكانياته الإدراكية، و كذالك الأمر بالنسبة للفهم، فهو المبدأ و الهدف، يجب أن يحدث في الوقت الذي يجب أن يكون فيه و بالمقدار الذي يكون. لأن بناء المواضيع الفلسفية تستهدف اكتشاف مختلف القدرات الفكرية كالتحصيل والتركيب، ويغلب الجانب الفكري علي جانب التحصيل، وتبقى إشكالية الفلسفة في البكالوريا مطروحة، وفق الله أبناؤنا طريق السداد. أنظر،السعيد هيمه، حديث عن التربية ج1 ، دار هومة 2002،أيضا، المنشور الوزاري رقم، 01 في 17 فيفري،2007، التكفل بتلاميذ السنة الثالثة ثانوي، ورقم 493 في 14/11/ 2006 متعلق بالمنافسات العلمية والتربوية، وزارة التربية الوطنية،
سلامة عبيد الزر يعي أستاذ مادة الفلسفة بثانوية عبد المجيد مزيان بالمسيلة الجزائر