وجهة نظر

الإدارة التربوية بوابة للإصلاح المنشود

بقلم : ذ. عادل الركراكي  
تمثل المدرسة النواة الأساس في المنظومة التربوية, فداخل أسوارها يتم التطبيق الفعلي للسياسة التعليمية, و ضمن فضاءاتها يقضي المتعلم أكبر وقت في اكتساب و تحصيل مختلف المهارات و المعارف  التي من المفروض أن تنعكس إيجابا على حياته اليومية.
وفي خضم الضجة المثارة حول تدني المستوى التعليمي لناشئتنا, و ضعف تحصيلهم الدراسي, و دق ناقوس الخطر حول هذا القطاع, تدخلت الوزارة الوصية للنهوض بهذا القطاع, لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية. وقد اعتمدت مجموعة من الأليات  لتخطي المحنة التي يمر بها هذا القطاع الحيوي و الذي يحتضن فئة عريضة من أبناء محدودي الدخل (ولاد الشعب) ومن بين المقترحات مشروع المؤسسة  الذي يتيح الاشتغال على فرضيات أساسية من شأنها إعطاء بريق للفعل التربوي فكرا و ممارسة, و جعل المؤسسة التعليمية فضاء لاكتساب الكفايات المعرفية و القيمية والتربوية و الثقافية من خلال تحسين التعلمات وتجويد النتائج و تشجيع العمل التشاركي و تحفيز الموارد البشرية, و في هذا الإطار لا يمكن إغفال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه الدستور و الذي من إيجابياته تقنين عمليات تحمل المسؤولية بالقطاع و في انسجام مع معايير الحكامة الجيدة, وهنا يبرز دور رئيس المؤسسة في تدبير مشروع المؤسسة, الذي يجب عليه الابتعاد عن السلطوية والقطع معها و العمل في إطار تشاركي يمكن الجميع من طرح الآراء و قبول الاختلاف و التعامل مع معهم على قدم المساواة و تشجيع الكفاءات و هذه بالضبط هي الفلسفة التي تبناها الميثاق الوطني للتربية و التكوين. 
فمشروع المؤسسة وصفة طبية فعالة لكن يجب أن تحترم فيها المقادير, و أن يشرف عليها طبيب مختص و الذي مما لاشك فيه هو المدير التربوي الحداثي المتفتح و المنفتح على جميع الطاقات الخلاقة و المبدعة, و الدعوة إلى إشاعة ثقافة ربط الحقوق بالواجبات و دمقرطة العمل الإداري باعتماد المقاربة بالمشروع و تفعيل ربط المساءلة بالمحاسبة. فالشخص الذي يحتل المرتبة القيادية كمدير/ رئيس المؤسسة يجب أن يكون مبادرا و عمليا و مبدعا و مجددا و مستشيرا و محفزا لموظفيه من خلال إيلاء الأهمية الكبرى للمكافأة الرمزية ,على الأقل, للعاملين بجانبه, و منصتا لمشاكلهم, ساعيا لزرع الأمل في قلوبهم, حريصا على توفير الأمن لهم, فداخل هذا المناخ الإيجابي و الشفاف, المفعم بكل مقومات الحيوية و النشاط  و العمل الجاد و المسؤول تزرع الرغبة داخل كل الفاعلين للعمل الطموح لتحمل المسؤولية, و العكس يحصل في جو فوضوي يسود فيه قانون الغاب قائم على السلطوية و التمييز و قاعدة فرق تسود. 
لقد آن الأوان لتحديث الإدارة التربوية, وتغيير معايير إسناد هذا المنصب الحساس باعتماد مباراة و تكوين بمراكز التكوين, لصقل شخصية المدير التربوي, وتطوير مواهبه و مؤهلاته قبل الخروج الفعلي للميدان العملي, لجعله قادرا على تدبير موارده البشرية و المالية و المادية تدبيرا سليما يراعي كل مقومات الجودة و يتبنى فلسفة العمل بالنتائج و يتخلى عن ذاتيته و تطلعاته و مصالحه مقابل المحافظة  على المصلحة العامة, و يحقق الحياد من خلال قبول الاقتراحات البناءة ومراعاة العدل في إعطاء الفرصة للجميع  للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم, و الابتعاد على إقحام حساسيات شخصية أو حزبية أو نقابية أو عرقية, و العمل كفريق منسجم همه الوحيد المصلحة العامة لتحقيق نتائج أفضل. بالإضافة إلى كل هذا يجب التأكيد على ضرورة تمكين هذه الأطر الإدارية من الاستقلالية اللازمة, و من التكوين المستمر في مجال التكنولوجيا الحديثة, و تحسين أوضاعها المادية هذا إن أردنا السير قدما في برامجنا الإصلاحية للانتقال إلى مؤسسة حداثية تنبذ كل خصائص التدبير التقليدي, و تقطع مع هذا الإرث القديم, وتتبنى مقومات التدبير الحديث الذي يبتعد عن الحسابات الضيقة مع الأفراد أو المؤسسات, و يفتح المجال للشراكات مع المجتمع المدني المحلي بما يلبي احتياجات المتعلمين و متطلبات أسرهم, و يعمل على حل مشاكل المؤسسة التعليمية بطريقة تشاركية تخلق الثقة بين العاملين, و ترسخ فيهم حس الانتماء للمؤسسة.
الإدارة التربوية عنصر متشعب العلاقات داخل النسق التربوي التكويني, و فاعل أساسي في حكامة المنظومة التربوية, وهي الأداة التي ينطلق منها الإصلاح التربوي لتحقيق الطفرة النوعية من الاعتماد العقيم على الأساليب التقليدية, إلى اعتماد التدبير بالنتائج.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button