محسن الأكرمينمستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر
الجزء الأول : إصلاح الحقل الديني المدرسي، السياق والمرتكزات.
بقلم : ذ محسن الأكرمين (باحث تربوي)
لم يكن سياق إصلاح مكون التربية الإسلامية بالمدارس المغربية وليد ترف تربوي/ منهجي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بل له سلطة أوامر من أعلى هرم بالمملكة، حيث طلب الملك بصفاته الدستورية وفي مقدمتها الدينية “أمير المؤمنين “ّ من الحكومة بمراجعة مناهج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم المغربي…. إذا، كان سياق تجديد الحقل الديني / التربوي بالمدارس المغربية أمرا لازما، على فتح ملف تطوير وتنقيح البرامج والمقررات الدراسية لمكون التربية الإسلامية، بهدف غرس العقيدة الإسلامية السمحة، وخلق التوازن بين مقصد العبادة والمعاملات الحياتية الإدماجية، وبغاية إشباع حاجات المتعلم المعرفية والوجدانية و السلوكية، مع إلحاحية مراعاة وضعية التآلف بين الإرث التراثي للسلف، والتحولات الحديثة الداخلية التي تستحضر معطى نوافذ العصف الفكري والمذهبي الخارجي .
ذكرنا للسياق العام الداخلي لن ينفك أن تكون له روابط أهداب أفقية عالمية، مع متسع السوق الكونية التي تسوق عولمة القيم وبدون تأشيرة دخول، وبصيغة قوة التحدي الغربي.
فلن نخوض في المظاهر والظواهر التي أنتجتها وتنتجها مشاتل الإسلام السياسي (الراديكالي)، ولكن نقر الاعتراف بأن اليقظة (النهضة) العربية / الإسلامية قد أخفقت بالتمام الكامل في تجفيف والحد من مخرجات مظاهر العنف، والعنف المضاد، والتطرف في الرأي والسلوك إلى حد (داعش) بإسم الدين الإسلامي. وللتذكير المطلق فنحن لن نختلف البتة بالحكم عن كل مظاهر البدع (الخوارج الجدد) أنها لا تمثل بتاتا الدين السمح، والتعايش السلمي الذي سنه الإسلام بالوجوب ضمن حوض الأمة (دار الإسلام)، وضمن البعد العالمي/ الكوني.
هناك عدة عوامل ميكانيكية، سواء منها الداخلية والخارجية، سرعت تفعيل رؤية الإصلاح لمكون التربية الإسلامية بالمستعجل، لكننا اليوم نشهد إشهاد اليقين أن كل التوليفات التي خضعت لها برامج التربية الإسلامية ومنهاجها، كانت وليدة تجميعية من التضادات المذهبية والفكرية والسياسية والاجتماعية. ولنا في السند التاريخي عبرة، فعندما تقوى عود الفلسفة في سبعينيات القرن الماضي، ونما الفكر السياسي اليساري (الجذري)، تم تلجيم فم الفلسفة بالجامعات المغربية، بخلق شعب الدراسات الإسلامية وتقوية مسارات شعب الشريعة الإسلامية… الآن، رياح الحركات الإسلامية – (الإسلام السياسي الراديكالي)- تعصف وتشتد اشتعالا في نقط معلومة من خريطة الدول الإسلامية، هنا سيتدخل الفكر السياسي والمذهبي المغربي في إعادة استقراء مواضع المقاصد الشرعية (الأدلة النقلية)، وفي تفعيل منهج القياس (الاستنباط) والمصلحة المرسلة (الأدلة العقلية) و الاستحسان الصوفي (الأدلة الروحية/ بفهم تجاوز ضوابط التسمية الاصطلاحية). من تم، تروم الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية للحقل الديني بالمؤسسات المدرسية على جعل التمسك بعروة الدين السمح، ضمانة توثق للوحدة المذهبية المغربية، و تقبل بالاختلاف، وتعزز نقط التوافق الفكري الكوني.
إنها المهام السبقية للحفاظ على الهوية الوطنية بالتميز السلوكي السمح تجاه كل اختلاف ديني ومذهبي. وجعل المدرسة المغربية تعمل بالأساس على ترسيخ القيم الدينية السامية بتقاطعها مع المنتوج الكوني (الحرية/الكرامة/العدل /مقاربة الإنصاف/ مقاربة النوع/ إشكالية المساواة….)، وتحصين المتعلمين (مجتمع المستقبل) من الغلو الفكري(المذهبي)، والتطرف السلوكي والتشيع الخارجي …، مدرسة تكرس حب الوطن وروح المواطنة، مدرسة التشبع بروح الحوار وقبول الاختلاف…، مدرسة تتأسس على قيم العقيدة الإسلامية المبنية على الوسطية والاعتدال والتسامح(المذهب المالكي)…
أولى الملاحظات التوليفية في تحليلنا، والتي تم ترسيمها ضمن مخطط رؤية إصلاح حقل التربية الإسلامية في المدارس المغربية، تتأسس على محورين اثنين، الأول التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، ضمن ثوابت ومرتكزات اختيارات المغاربة للمذهب المالكي و تبني العقيدة الأشعرية، والتصوف السني، (المسلك الجنيدي/ الذي يرتكز على التربية، و ترقية النفس في مدارج السلوك، بما يظهر في إعمال التضامن والتكافل وحب الخير للذات والغير، والحلم والتسامح ومخاطبة الوجدان والقلوب بما ينفعها ويقومها….).
هو إذا، مسلك مذهب غرباله ضيق العيون، والذي سيبعد عن درس التربية الإسلامية ضمن الحوض التربوي للمؤسسات المدرسية المغربية كل منافذ أحكام الاستنباط الخلافي (الكلي أو الجزئي) للمذاهب الإسلامية ، ولفرق الحركات الإسلامية الصغرى أو الكبرى. هنا نقر إقرار اليقين توحيد نسق التحدث للمتعلم بلسان موحد، وأحكام مضبوطة لا خلاف فيها، ولا جدال ديني يصيبها بالريبة.
فيما الموجه الثاني، فهو يستند إلى مؤشر خلق كيس الأمان الواقي من صدمات الأحداث والوقائع المريعة التي نعايشها بالسماع والصورة الإعلامية بربوع خريطة العالم الإسلامي . إنه مؤشر إحلال رؤية الأمان الروحي السليم للتلميذ المغربي من كل شظايا الإسلام السياسي (الراديكالي). إنه مؤشر التزكية الروحية التي ترتقي بالمتعلم إلى الصفوة الخالصة لتدبير قيم التسامح عبر الحوار الحضاري الكوني، وقبول مبدأ الاختلاف، وإلى إكساب المتعلم آليات حصانة الاقتداء السليم المرتبط بالعلوم الدينية والشرعية، وضمن ناظم (حياتي/دنيوي) يستند على مدخل روح الإصلاحات الدستورية المغربية، والمتوازية مع رؤية الإصلاح في فصول القسط (العدل) والحكمة (الحكامة)…
هذا دون أن يفوت الإصلاح فرصة ترتيب بناء وتشكيل علاقة استجابة المتعلم لعموم وسائط العبادات التي تجعله في خضوع للسلطة الإلهية، ومناجاة مستديمة ببدل الجهد المضاعف في تحقيق تزكية للروح بما يرضي وحدانية الله، وعبادات خاشعة بجنان الاعتقاد الإيماني الطاهر، و تزكية روحية ووجدانية وسلوكية عاملة بالأركان وفق المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية…، ودون إغفال القول باللسان الذي يمتد إلى صدق السلوكيات المدنية / الإنسانية.
لنعد، ونبيت نية الإدلاء بالرأي، والرأي المضاد في تنزيل رؤية إصلاح الحقل الديني التربوي بالمدرسة المغربية. هنا ستواجهنا عدة فجوات شكلية، سواء في وصف الظرفية الاستعجالية للتنزيل، والمدة القصيرة التي واكبت عملية ترميم وتجديد المقررات والبرامج المدرسية لمكون التربية الإسلامية، وفي القفز العلوي عن تجربة العمل التعاقدي وفق المقاربة التفاعلية / التصاعدية لكل موجهات الإصلاح التربوي .
فالفتح المبين لكل عمليات مواكبة إصلاح وتجديد منهاج وبرامج التربية الإسلامية، تزامنت أسباب نزوله والعطلة الصيفية، والتدبير المرحلي للانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر، ولا نعلم علم اليقين من ساهم في إنتاج المقررات المنقحة، وتم السكوت كذلك عن مكونات اللجان المكلفة بالتنقيح، وعن دفتر التحملات المخصص لعملية التجديد. من تم نتساءل بحق، عن من ساهم في عمليات التنقيح و تسنين الموجهات الكبرى لمكون التربية الإسلامية، نتساءل عن المؤشرات الكبرى والوسطية في أفق متم رؤية الإصلاح (2030)، نتساءل لما استهدف مكون التربية الإسلامية بالإصلاح الأولي دون المكونات الأخرى، والتي نشهد أنها لا زالت لم تبرح مكانها ضمن خطة التدابير ذات الأولية (التمكن من التعلمات الأساس).
هنا نقر بأن السبحة الناظمة للرؤية الشمولية في الانكباب على عمليات التنقيح ومراجعة المناهج التربوية (مسارات تعلم جديدة للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي) قد فك ارتباط خيطها النسقي بالتلف، وذلك بخروج مكون التربية الإسلامية عن شمولية رؤية الإصلاح، ولحق التجديد والتنقيح جميع المستويات وكل الأسلاك التعليمية . فأين هي إذا، آليات احترام تمفصلات تنزيل خطة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح (2015/2030)؟.
لكل منا جوابه المقنع عن كل تساؤلات السياق والمرتكزات، لكننا نؤمن بالقطع أن التحولات المجالية الوطنية والعالمية، لها سلطة اليد العليا في التعجيل بإصلاح مقررات ومناهج مكون الحقل الديني المدرسي بسرعة الأرقام القياسية. لكن، الأمل في أن تكون مؤشرات إصلاح الحقل الديني /التربوي المدرسي أكثر وثوقية بنتائج الجودة القادمة ، وبثقة تامة في تكوين مواطن مغربي يعتبر الدين سلوكا للعبادة والتقرب إلى الذات الإلهية، ومهارة حياتية تنقل المتعلم إلى إدماج تعلماته الدينية في التسامح والاختلاف والقسط والحكمة، ضمن التفاعل السلوكي في الوسط الاجتماعي.
ملاحظة/ الجزء الثاني:إصلاح الحقل الديني المدرسي، الملاحظات السبقية.
ذ محسن الأكرمين (باحث تربوي)/ mohsineelak@gmail.com