التاريخ الأولى باك
الضغوطات الإستعمارية على المغرب ومحاولات الإصلاح
الضغوطات الإستعمارية على المغرب ومحاولات الإصلاح
التمهيد الإشكالي:
ما هي مظاهر الضغوطات العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية التي تعرض لها المغرب خلال القرن19م؟ وماهي أهدافها؟وماهي الآليات الموظفة في هذه الضغوطات؟ماهي دوافع الإصلاحات التي قام بها المغرب في ظل هذه الأحداث؟وماهي نتائجها.
1- الضغوطات العسكرية:
أ- حرب إسلي(11 غشت1844):
احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 م >>> اندلاع المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري ومساندة المغرب لهذه المقاومة >>> استياء فرنسا من تدخل المغرب في نفوذها الإستعماري واتخاذ ذلك دريعة للتدخل في المغرب >>>إعلان فرنسا الحرب على المغرب>>> “معركة إسلي” 11 غشت 1844>>>انهزام الجيش المغربي أمام قوة الجيش الفرنسي(أسلحة متطورة+تنظيم عسكري محكم) >>> إجبار المغرب على توقيع معاهدة للامغنية سنة 1845م التي نصت على ترك الحدود بين المغرب والجزائر مبهمة واقتطعت فرنسا بموجبها جزء كبير من التراب المغربي بضمه إلى مستعمرتها(الجزائر).
ب- حرب تطوان ( 1859/1860م )
انهزام المغرب في موقعة إسلي1844 (ضعف المغرب عسكريا) >>> تزايد رغبة إسبانيا في احتلال المغرب وبحثها عن ذرائع.
حدوث مناوشات بين أفراد من قبائل الأنجرة و حاميتها العسكرية>>> إعلان الحرب في وجه المغرب في”معركة تطوان”التي تم احتلالها ( 1859/1860م) >>>توقيع معاهدة الصلح بين المغرب وإسبانيا (معاهدة1860).التي تضمنت مجموعة من الشروط لعل أبرزها أن يدفع المغرب لإسبانيا غرامة مالية تقدر ب 20 مليون ريال تمكن المغرب من تسديد نصفها بعد سنة من توقيع المعاهدة في حين تم وضع أمناء إسبان بالمراسي المغربية لإستخلاص النصف الثاني من الغرامة (إقتطاع نصف داخل (مداخيل) كل شهر). >>>فقدان المغرب لسيادته واستقلاله المالي.
2-أدت الضغوطات الدبلوماسية إلى انتزاع امتيازات تجارية وسياسية أوربية في حق المغرب خلال ق19م.
أ- التدخل الدبلوماسي الممهد لفرض امتيازات تجارية أوربية على المغرب.
سارعت الدول الأوربية إلى عقد عدة معاهدات مع المغرب لضمان عدة امتيازات تمثل ذلك في:
* معاهدة الصلح والمهادنة بين المغرب و الإنجليز (يناير 1856) والتي نصت على حماية رعايا إنجلترا وتجارها وتوفير الأمن لهم ولممتلكاتهم و تأديب كل من أساء لهم.
* أن يتمتع الرعايا الإنجليز بحرية السفر والسكن وحق التعمير.
* عدم تدخل القضاء المغربي في النزاعات التي تحدث بين رعية إنجلترا بالمغرب= (امتيازات قضائية).
* الإتفاقية التجارية بين المغرب و إنجلترا سنة1856: التي نصت بنودها على حرية التجارة والمساواة بين التجار المغاربة والإنجليز وذلك بضمان الحق في السكنى والبيع والشراء في جميع المراسي المغربية وغيرها + حق الكراء و الإنتفاع وبناء الديار والمخازن.كما نصت على إسقاط الكنطرادات (كان الخواص في المغرب يشترون من المخزن ما يسمى بالكنطردة أي حق الإنفراد بتصدير مواد معينة).والمواد الممنوعة التصدير (القمح،الشعير،الأغنام،الصوف..).
تعتبر الوسائل الدبلوماسية من أهم الوسائل التي اعتمدتها الدول الأوربية في فتح المغرب تجاريا وتكريس التغلغل الأوربي.
ب- التدخل الدبلوماسي الممهد لفرض الإمتيازات السياسية الأوربية بالمغرب.
* تسوية بيكلار بين المغرب وفرنسا (يونيو 1863).
نص وفق “بيكلار” (1863) على إعطاء الحماية للرعايا الأجانب و لأولادهم والساكنين معهم حيث أصبح يتمتع بالحماية كل من:
– أولاد البلد الذين يخدمون السفير (الباشادور) وديار القنصوات ونوابه (كتاب،متعلمين وغيرهم..)
– السماسرة العاملين مع التجار الفرنسيين(منح الحماية لسمسارين في كل متجر).
إن حماية أي شخص تعني توفير الأمن له و إعفائه من الضرائب و إعطائه الحق في متابعة القضاء الشرعي الإسلامي.وهو مايشكل خطورة على المغرب نظرا لتزايد عدد المحميين وما يعنيه ذلك من فقدان المخزن لسلطته إلى جانب تفكك بنية المجتمع المغربي.
تجدر الإشارة إلى أن الحماية القنصلية سبق أن نصت عليها المعاهدة المبرمة مع ابريطانيا سنة 1856 قبل أن يتم تكريسها في المعاهدة التي أبرمت مع إسبانيا سنة 1861 وتوقيع وفق بيكلار مع فرنسا سنة 1863.ازدادت خطورة الحماية القنصلية بدخول بعض رجال المحزن تحت الحماية القنصلية.(حتى قيل أن السلطان سوف يستيقظ يوما ما ثم لا يجد ولا رعية واحدة تدخل تحت سلطته بفعل الحماية القنصلية).
* مؤتمر مدريد 1880: حاول المغرب البحث عن حل لسرطان الحماية القنصلية باعتبار ذلك مدخلا للإصلاح لذلك أرسل المولى الحسن سنة 1876 محمد الزبدي في سفارة إلى فرنسا،إيطاليا بلجيكا وابريطانيا… لإقناع حكوماتهم بوضع حد للحماية القنصلية.هذا في الوقت الذي كانت هذه الدول تبحث عن حل لتسوية نزاعاتها الإستعمارية،فقد مؤتمر مدريد 1880 الذي كان موضوعه النظر في مشكل الحمايات الفردية بالمغرب إلا أن نتائجه زادت في تعميق الأزمة بالمغرب،فبدل وضع حد للحماية القنصلية صادق المتآمرون على تكريسها وتعزيزها أكثر من ذلك أعطيت بموجب هذا المؤتمر حق الملكية للأجانب بالمغرب.
3-الصحراء المغربية نهاية القرن 19 والتسرب الإستعماري نحوها.
– تعرضت الأقاليم الجنوبية المغربية لعدة ضغوط استعمارية (إسبانية،ابريطانية،فرنسية).
– تمكنت إسبانيا منذ معاهدة الصلح لسنة 1860 من فرض عدة مطالب منها الحق في استغلال المناطق الجنوبية المغربية في الصيد مما أطلق عنانها في المراسي الجنوبية.
– عملت ابريطانيا منذ 1872 على تنشيط المبادلات التجارية لفائدة شركة “إفريقيا وسوس” وذلك بعد وصول ممثلها “ماكينزي”إلى الأقاليم الصحراوية وربطه علاقات تجارية مع سكانها (إقليم طرفاية على الخصوص).والهدف طبعا هو فرض المصالح البريطانية في المنطقة.
وهي شركة إنجليزية تمكنت سنة 1879 من احتكار التعامل التجاري مع المناطق الصحراوية سنة )
– كان رد فعل السلطان مولاي الحسن هو زيارته لسوس الأقصى(جنوب سوس) سنة 1882 لتأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والحد من تجاوزات الإسبان بالمنطقة.
– كانت أطماع الإسبان منصبة على كل من طرفاية،بوجدور،الداخلة ووادي الذهب.
– توغلت فرنسا في التراب المغربي فاحتلت عدة مناطق سواء تعلق الأمر بالمناطق الجنوبية (كلميم..) أو ببعض المدن الأخرى (وجدة،مراكش،فكيك،فاس،طنجة..)+منطقة توات.
4- لمواجهة الأطماع الأجنبية قام المغرب بعدة إصلاحات .
أ- الإصلاح العسكري:
* تكوين جيش وطني قوي لتعويض قبائل الكيش وجيش البخاري اللذان كان المغرب يعتمد عليهما.
* إنفاق مبالغ مالية كبيرة لتزويد الجيش بالمعدات الحربية العصرية خاصة المدافع والمكاحل…
* دور البعثاث العسكرية الأجنبية التي أسندت لها مهمة تدريب الجيش المغربي (الحراب الإنجليزي “ماكلين” والفرنسي “إركمان”…) كما قام المتخصصون في المدفعية بمرافقة السلطان في المحلة.>>> تزايد البعثاث العسكرية الأجنبية بالمغرب.(التجسس تحت قناع البعثاث العسكرية …)
ب- الإصلاحات الإقتصادية:
– عمل سيدي محمد بن عبد الرحمان على تشجيع زراعة القطن والسكر وتوسيع مناطق زراعتهما بتزويد الفلاحين بالبذور وجلب آلات فلاحية عصرية…كما فكر في إدخال صناعة القطن والسكر بالمغرب فشيد من أجل ذلك بنايات ضخمة بمراكش واستورد الآلات الضرورية لذلك.كما أنشأ مصنعا لصناعة الورق ب”موكادور” (الصويرة).
– تشجيع استغلال مناجم الفحم ووتجديده.
ج- الإصلاح النقدي:
– قام المولى سليمان بمساواة الريال الإسباني بالمثقال المغربي.
– مساواة الريال الإسباني ب32 أوقية مغربية (سيدي محمد بن عبد الرحمان).
– تمكن السلطان مولاي الحسن من ضرب النقود بأوربا سنة 1881.
نستنتج مما سبق أن جل هذه الإصلاحات (العسكرية،الإقتصادية، المالية،) كانت من الأسباب التي مهدت للضغوطات الإستعمارية على المغرب، وأنها لم تفيد المغرب في شيئ سوى في استنزاف بيت المال وفقدان سيادته(الترابية،والمالية،والعسكرية)،سيما و أن البعثاث العسكرية الأجنبية توافدت على المغرب للتجسس والعمل لصالح الدول المستعمرة تحت غطاء ” تدريب الجيش المغربي”.
د- الإصلاحات الإدارية
– بإيعاز (أمر) من ابريطانيا قام المغرب بعدة إصلاحات إدارية كان أهمها:
– إصلاح شؤون المراسي : إصدار محمد بن عبد الرحمان ظهيرا لإدارة المراسي>>> ارتفاع المداخيل الجمركية+تخصيص أجر شهري لأمناء المراسي+ تعميمه في ما بعد على باقي موظفي الدولة.
– إصلاح السلطات العمومية.
– إصلاح الجهاز المخزني في مستوياته العليا.
خلاصة/خاتمة:
إن الضغوط الأوربية العسكرية والإقتصادية والسياسية الممارسة على المغرب طيلة القرن 19.لا يمكن تفسيرها إلا بربطها بالظروف الدولية في تلك المرحلة والتي تتوافق ومرحلة التنافس الإمبريالي بين الدول الأوربية.إن فشل الإصلاحات التي قام بها المغرب يرجع بشكل رئيسي إلى كون الإصلاحات تخدم مصالح المستعمر نفسه لأن هذا الأخير نفسه من دعا إلى التعجيل بها.
بدليل أن هذه الإصلاحات أدت إلى تزايد نفقات الدولة التي انتقلت من 7 ملايين فرنك سنة1882 إلى 20 مليون فرنك سنة 1893 ثم إلى 40 مليونا سنة 1900.وساهمت في تفاقم مشكل الحماية القنصلية بالمغرب.