الظاهر و الخفي في إعداد التوقيت اليومي بقلم محمد كانة (القنيطرة )
خلقت المراسلة الوزيرية الواردة على الأكاديميات والنيابات ( في موضوع إعداد استعمال الزمن وفق التوقيت اليومي) رجة كبيرة في الساحة التربوية ، بين مؤيد ومعارض. واختلف حولها الفاعلون التربويون بين مثمن ومشكك ، وبين متحمس ومتأفف. إن كل قرار يتم اتخاذه في إطار المنظومة التربوية، إلا وله ثأثير إيجابي أو سلبي، على أن الخطأ في الاختيار يؤدي حتما وللأسف بهذا الأفق الذي يصبو أبناؤنا الى وصوله إلى الانهيار.
من هذا المنطلق ، وبكل هدوء وروية وموضوعية ، وبدون تحامل على أحد أو جهة معينة ، سنحاول القيام بالقراءة في مرجعيات هذه المراسلة ، وتشريح التداعيات .
من الناحية الشكلية:
هي مراسلة جاءت في صفحة واحدة لديها موضوع واحد ووحيد ، ولها مرجعية بشكل ضمني (قراري ) ، لتلغي بذلك المذكرة 122 المتضمنة ل12 صفحة ، وتوصي باعتماد استعمالات الزمن وفق التوقيت اليومي بالتعليم الابتدائي : بالوسط الحضري، واعتماد توقيت يومي للدراسة في الوسط القروي حسب متغيرات محددة .
الرسالة جافة وخالية من أي عبارة تدعو من وجهت لهم بالسهر على تطبيقها أو غير ذلك من العبارات التربوية المعتمدة في أساليب المذكرات .
من ناحية المضمون الإداري والتربوي:
اعتمدت الرسالة الوزيرية ديباجة غريبة ومستفزة باعتمادها ضمير المتكلم بصيغة أنا ، فهل يجوز في مراسلة ترقى لمستوى مذكرة وزارية اعتماد حيثية استنادية بضمير المتكلم ” تبعا لقراري” ؟ نتركه سؤالا مفتوحا للاجتهاد أمام فقهاء التشريع المدرسي ، وجهابذة القانون الإداري .
(تبعا لقراري) : الياء تفيد في دلالتها (الانتماء أو الامتلاك أو النسب) . يبدو لأول وهلة، أنه (قرار) أوحت ياؤه هذه معنى الانفراد في اتخاذه ، و تضخيم في تحمل المسؤولية لشخص واحد بعينه. لكن وراء الأكمة ما وراءها: من إشارات ضمنية الى : قوة وجرأة وقدرة التصدي لتبعاته وتجلياته.
بأية (أنا ) تتحدث المراسلة : الأنا النفسية ؟ أم الأنا الإبستيمية ؟
+ هل بالأنا النفسية (السيكولوجية )؟ أي الشخصية الخاصة بالإنسان التي تميزه عن الآخرين والتي يميل الأنا بطبيعتها الى تحقيق رغبات الهو، لكنه بفعل المجتمع يعمل على تحقيق المقبول منها عرفا وشرعا .
+ أم بالأنا الإبستيمية / الأنا العالمة /المفكرة ؟ : أي بالذات المفتوحة على نفسها ، وعلى بقية الذوات الأخرى ، مداركها الخاصة قابلة للنقد من جهة وقابلة للتشارك والمناقشة مع مدارك بقية الذوات الأخرى من جهة ثانية.
على هامش الإلغاء: من أين تستمد قدرة الإقناع قواها لتغسل أدمغة الفاعلين التربويين وتجردهم من ذاكرتهم القريبة ، وتقنعهم بإلغاء 122 . ألم يتم تبنى ديباجة جميلة ، مشوقة ومغرية يوم تنزيلها ، غير أن استعمال هذه الاصطلاحات التربوية الرنانة لم يساهم إلا في إثارة ضجة كبيرة في الأوساط التعليمية بالسلك الابتدائي بمختلف الأكاديميات والنيابات ، وعوض أن تحل المشاكل ساهمت في مراكمتها ببعض المؤسسات التعليمية خاصة تلك التي لا تتوفر فيها حجرة دراسية لكل قسم، وبشكل خاص ما يتعلق بما عبرت عنه المذكرة المذكورة بساعات العمل خارج القاعة .
سبق أن أججت المذكرة 122 الاحتجاجات على مر موسمين في العديد من المناطق، نظرا لما جاءت به أنذاك من مقترحات اعتبرتها التنظيمات النقابية وشغيلة القطاع لا تخدم المدرسة العمومية المغربية ولا تراعي لا مصلحة الأساتذة ولا مصلحة المتعلمين. لا يغيب عن أّذهاننا الدفاع المستميت للوزارة عن هذه المذكرة بكل رباطة جأش ، بعدما ورطت معها عددا من مدراء الأكاديمية والنواب على مستوى التطبيق . وكان أفضل تفسير للمذكرة 122 انطلاقا من البلاغ التوضيحي، هو كل التفسيرات التي ستعطى لها في كل نيابة على حدة، وكل تفسير قد يقع في أفهامهم . وها هي المسكينة قد سقطت اليوم صرعى في ساحة الوغى ، بسبب الإذعان للشركاء الاجتماعين ، واختيار مبدإ الأمن والأمان ولتنفيس الاختناق.(يمكن مراجعة تصريحات السيد الوزير في برنامج قضايا وآراء الذي بثته القناة الأولى بتاريخ 28 فبراير 2012).
استراتيجية الإلغاء والتعويض: ( مراسلة وزيرية تقوم بإلغاء العمل بالمذكرة 122) .المتعارف عليه أن المذكرة الوزارية تلغى بمذكرة وزارية: تستحضر تراكم ومعرفة في الموضوع وتختزل تجربة ميدانية ناضجة. فهل طبقت المذكرة الوزارية 122 لتظهر هذه العيوب والتغراث ؟
” تماشيا مع المقاييس الدولية ” : كلام فضفاض لا يستسيغه عاقل أو يقتنع به. وحب الاستطلاع والفضول المعرفي يدفعان الأسئلة للتناسل في ذهننا :هل هناك بالفعل مقاييس دولية في هذا المجال ؟ وماهي ؟ وإن وجدت من واضعها ؟ وكيف أصبحت مقاييس دولية ؟ وهل سيحصل تعليمنا وحجراتنا على جودة ( إيزو ) إذا توفرت فيها هذه المقاييس الدولية ؟
” المعمول به في أغلب الدول في ميدان التعليم ” : جاءت هذه العبارات وكأن هناك من زار بلدانا عديدة في العالم ، واطلع على تعليمها ونتائجها الجيدة التي جنتها من جراء تطبيقها هذا الاجراء. فمن قام بهذه الزيارة ؟ ومتى ؟ وما النسبة المائوية المعتمدة من دول العالم حتى نسمح لأنفسنا بتوظيف كلمة (أغلب ) ؟ يعلم القاصي والداني أننا لا نعلم حتى ماهو معمول به في الدول المجاورة لنا. حكما كهذا ، واستنتاجا كذاك ، لن يقبل إلا من شخصية تتسم بالعلم والمعرفة في الموضوع، دارسة، باحثة،راكمت تجربة،و لها باع طويل في التربية المقارنة .
إنها محكات غير معلومة ومتن.
بعدما قدمت نموذجا واحدا ووحيدا في الوسط الحضري ، أدركت المراسلة يوم السبت الصباح ، وسكتت عن الكلام مباح ، وحين ساد الصمت المطبق ، تسائل الجميع في همس و صياح :
هل هو سكوت يوحي بالموافقة والرضى ؟ ويسمح بالمرونة والتصرف والاجتهاد للأكاديميات والنيابات ؟
إلا أن مبدأ الاجتهاد ليس حكرا على أحد ، أليس من حق مجلس التدبير أن يجتهد فيما يراه مناسبا (ليبلور) مع المدير توقيتا ترضى به العشيرة الجماعة ؟ وهنا نتهيب من تعدد الاجتهادات وكثرة التأويلات.
و ما محل التعليم الخصوصي من الإعراب في هذا الموضوع ،هل هو مجال خارج التغطية ؟
أم سكوت يفهم منه رفض الخوض في موضوع الاجتهاد ما دامت المذكرة 122 ألغت الصيغ الزمنية الثلاث المقترحة التي كانت تقابلها .
أم سكوت يفيد أقصى درجات الحِلم ؟ المراسلة اختصرت ، فألغت، عرضت شكلين ، بحكمة شرحت واِلْتَمَسَت،
وأسهبت ، ليبقى الصمت بعدئذ حكمة وتعقلا ، تنأى به وبنفسها عن مناقشة الطرهات والمتاهات .
اعتمدت المراسلة في الوسط القروي متغيرات فضفاضة و محكات مبهمة قابلة للتأويل من صميم : (الظروف المناخية والجغرافية ، المسافة بين المدرسة والمناطق السكنية توفر الحجرات): وهي متغيرات وإن كانت موضوعية فإنه لا يعتد بها في الواقع ، بل قد تصبح حصان طروادة لبلورة توقيت مناسب لهيئة التدريس تعاني من الترحال اليومي من مقر السكنى الى مقر العمل .
بلورة صيغة التوقيت الأنسب (الأكثر ملاءمة ) والأنجع (الفعالية ) تعنى البحث عن صيغة توقيت مناسبة للمؤسسة التي يشرف عليها ، وفق متغيرات سردتها المراسلة الوزيرية . فهل يمكن للأنسب أن يكون أنجع ؟ وهل يمكن للأنجع أن يكون أنسب ؟ وهل يمكن أن تتوفر مختلف الصيغ المناسبة المقترحة على النجاعة المرتقبة ؟ أين تكمن النجاعة في صيغة أنسب لتفويج 3 أقسام على حجرة واحدة ؟
“مناقشة الصيغة داخل مجلس التدبير”: هل تتوفر جميع المؤسسات بالفعل على هذا المجلس ؟ وهل هو مفعل ومنفتح على جميع أعضائه بمن فيهم ممثل الهيئات المنتخبة وكذا ممثل جمعية آباء وأولياء التلاميذ ؟
المصادقة من طرف السادة المفتشين التربويين : هل سيوافق المفتش على الصيغة أم جداول الحصص ؟
+ فإذا صادق على جداول الحصص ، فلماذا انتظار الموافقة والإقرار من طرف النيابة ؟
ثم ماذا لو اجتمع أساتذة المؤسسة ومجلس تدبيرهم فاستعصى عليهم الأمر وقالوا:إن الصيغ تشابهت علينا ، ادع لنا النيابة تبين لنا ماهي ؟ فقالت النيابة : إنها صيغة أنسب وأنجع، فافعلوا ما تومرون ؟ فقالوا : ادع لنا النيابة تحدد مقاييسها ؟ قالت : إنها صيغة حسب الظروف المناخية والجغرافية ، والمسافة بين المدرسة والمناطق السكنية سأعهد بذلك الى العارفين ، وما كادوا يفعلون حتى انقلبت الآية فأصبح المفتشون يبلورون والأساتذة يصادقون .
على هامش المراسلة الوزيرية
من حيث مقاربة النوع : فباستثناء الفقرة العليا التي تشير إلى الأشخاص الموجهة إليهم هذه المراسلة ، فقد غابت مقاربة النوع في المضمون ، وكأن الوزارة ذات خطاب ذكوري وتوجه أبيسي .
من حيث مبدأ “الإشراك و الحكامة “: لم تلتزم الوزارة بإشراك كافة الفاعلين التربويين أو الاستشارة مع شركاء المنظومة التربوية حين أقدمت على اتخاذ القرار أو إصدار هذه المراسلة .
من حيث الرضى المهنى : سيكون تأثير سلبي على نفسية الأستاذ بالقروي حين يرى زميله بالوسط الحضري ينعم بيومي عطلة متتابعة (السبت والأحد ) في الراحة من عناء العمل أو السفر أو الترويح عن النفس ، وهو يعاني بالعالم القروي ظروفا صعبة وضغوطا نفسية ،
غياب دور الأستاذ : لم تتطرق المراسلة بتاتا في مضمونها الى الأستاذ بالاسم ، أو ذكر دوره في إعداد وصياغة وبلورة استعمال الزمن ، فإدراج (مجلس التدبير) ليس معناه جميع الأساتذة لأنه ليس كلهم ممثلون بهذا المجلس
بلورة أم تمكين : من بين ما جاء في مراسلة وزير التربية الوطنية لمديرات ومديري الأكاديميات والنواب
بتاريخ 15 فبراير 2012 (تمكين المديرات والمديرين من وضع استعمالات الزمن الخاصة بهم وتلك الخاصة بالأساتذة، بعد إلغاء المذكرة 122) فأين هذا التمكين؟ أم نعتبر البلورة تمكينا ؟
ما دام أنه لا جديد حول الإجراءات التي سيقوم بها المدير؟ فإن المستضمر والخفي وراء الظاهر والمرئي هو تحميل المدير والمفتش وفي إطار التوظيف الأمثل للموارد البشرية والمادية المـــتاحة مسؤولية بلورة الصيغة الرابعة (قاعة واحدة لثلاثة أقسام في حالة انعدام البنية التحتية،أو في أفق انتظار نهاية أشغال بناء الحجرات الدراسية ).
عود إلى بدء
كل ما نخشاه أن تمسي هذه المراسلة جعجعة بدون طحين ، فتنضاف إلى مسلسل القرارات المتسرعة الخاطئة والتي تم إصدارها ببساطة متناهية ، تحمل في طياتها كثيرا من التناقض واللامهنية . فذاكرة الشغيلة التعليمة ما زالت تتذكر التراجع عن عدة مذكرات وقرارات
الإذعان والاستجابة للمطالب قد يفقد الوزارة ملمح الشخصية المعنوية ، الفذة القادرة على اتخاذ كل
قرار موضوعي هادف ، يتسربل لبوسا مهنيا بحثا، لا مجال فيه للاعتبارات السياسية أو النقابية إلا بمقدار ما يدعم الخيار التربوي ويجعله أكثر نجاعة وإحكاما.
حَرِص السيد الوزير على إتمام جميع العمليات والإجراءات قبل الدخول الفعلي للمتعلمين ، ترشيدا للزمن المدرسي، وتأمينا لتوفير وعاء زمني : يضمن تحصيل التعلمات والمكتسبات ، وقمين بإتمام المقرر في الوقت المناسب – وهي نقطة نحتسبها لحسابه – إلا أن هناك عدة اسئلة ما زالت تنتظر إجابات مقنعة و إجراءات عملية ، ومنها : أين هي نتائج الدراسة التقييميه التي قامت بها الوزارة في موضوع تدبير الزمن المدرسي ؟ كم الفترة الزمنية التي سيدوم فيها التوافق والاجتهاد ، ثم اقرار الصيغة المناسبة لإعداد استعمال الزمن وفق التوقيت اليومي ؟ وبمناسبة الإلغاءات وفي إطار إلغاء بيداغوجية الادماج ، من الجهة المخول إليها سد الفراغ الذي تركته عملية الإلغاء؟ وهل المجلس التربوي أصبح مؤهلا لسد هذا الفراغ بإطار منهجي بديل؟
تلك تساؤلات ينتظر الفاعلون التربويون الإجابة عليها باستعجال، ليتمكن قطار الموسم الدراسي من الانطلاق في الوقت المقرر له ، بقاطرته ، ومقطوراته ، دون أن يزيغ عن سكة الأمان، فعلى الرغم من التطمينات المتزامنة للوزارة نخشى على مستوى الواقع أن تسهم مثل هذه القرارات على تعطيل ما برمجته وخططت له، وعاهدت نفسها عليه ، وأبرمت عهدها لتنفيذه ، ثم في آخر المطاف قد تنسفه و تنقضه ، كالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما ثم تحله .
وهذا ما لا نرضاه كفاعلين تربويين أو شركاء اجتماعيين لوزارتنا .
المصدر: موقع نقابة مفتشي التعليم