وجهة نظر

العنف بالحرم المدرسي والجامعي:الأسباب والحلول.

 بقلم : ذ. محمد حفوض.سيدي بنور
تتنوع الأماكن والفضاءات التي تشهد كثيرا من أعمال العنف والاعتداءات بشتى الأشكال والألوان،ومن طرف كل الفئات والأعمار والأجناس،وتجاه الإنسان والأشياء،فتراه (أي العنف)في البيوت وفي الملاعب وفي الأسواق وفي الشارع…،لكن الأخطروالأجسم هو ذلك الذي يمارس في المدارس والجامعات.


إن مؤسساتنا المدرسية والجامعية غدت اليوم مكانا مخيفا جدا،فقد صارت مرتعا وساحة حرب حقيقية لا مكانا للتثقيف والتحصيل والاكتساب،كيف لا،ونحن نسمع ونرى بين الفينة والأخرى أحداثا ومشاهد دموية داخل وفي محيط مدارسنا وجامعاتنا،فتارة تطالعنا وسائل الإعلام- مع التحفظ على مصداقية – بعضها بخبر رمي أستاذة لمتعلم من نافذة حجرة الدرس،وتارة أخرى نسمع عن متعلم اعتدى على مدرسه بسيف على مستوى الكتف،وقبل أيام،وبالتحديد،أثناء اجتياز امتحانات نيل شهادة البكالوريا استل مترشح سكينا مهددا حارسه(الأستاذ) بتصفيته،لا لشيء،سوى لأنه منعه من الغش،ضمانا للمصداقية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص،وما يجري في الجامعات من أعمال شغب وعنف يندى لها الجبين وتقشعر له الأبدان، كالأحداث الدموية المأساوية والتخريبية الشيطانية التي وقعت مؤخرا في مدينتي بني ملال وفاس وغيرهما.


إن استمرار العنف وتنامي الاعتداءات وأعمال التخريب والاقتتال داخل مدارسنا وفي محيطها،يدفعنا للتساؤل:لماذا يسود العنف في أوساط مدارسنا وجامعاتنا؟ولم يلجأ متعلمونا وأطرنا التربوية والإدارية وأولياء الأمورالى العنف؟وكيف السبيل للحد من هذه الظاهرة المشينة التي لا تنتج سوى أفراد منحرفين ينشرون الرعب والخوف والدمار عبر أعمالهم الإجرامية اللانسانية ،أفراد متعطشين للفوضى والتخريب والدماروالانتقام…؟


قبل أن نحاول الإجابة على هذه التساؤلات،لا بد في البداية،أن نحاول تعريف معنى العنف المدرسي،وتحديد خصائصه وعناصره وأشكاله.


لقد تعددت تعاريف العنف المدرسي وتباينت،لكن،أغلب تلك التعاريف تسمه بالعدوانية والكراهية،لذا، يمكننا أن نعرفه بأنه:”كل سلوك أو فعل أو قول عدواني عنيف يمارس داخل أو في محيط المدرسة أو الجامعة من قبل شخص أو مجموعة أشخاص تجاه شخص أو أشخاص آخرين أو تجاه أشياء،بغاية إلحاق الأذى والضررفقط “.


إن العنف المدرسي،اذن،يصدر من قبل شخص نحو شخص آخر،أو من قبل شخص نحو شيء،أو من قبل شخص نحو ذاته نفسها،ويمكن أن نمثل لذلك في المدرسة أو الجامعة كآلاتي:
-متعلم نحو متعلم أو طالب نحو طالب،
-أطر تربوية أو إدارية نحو متعلم أو طالب،
-أطر تربوية نحو اطر إدارية،
-اطر تربوية نحو اطر تربوية،
-أطر إدارية نحو اطر إدارية،
-متعلم أو طالب نحو شيء (تجهيزات وأدوات مدرسية،جدران المؤسسة،مراحيض…)،
-متعلم أو طالب نحو الذات (الانتحار أو محاولة فعله،انطواء…)،
-أولياء الأمور نحو الأطقم الإدارية والتربوية.
وللعنف أشكال متعددة ومتنوعة،فقد يكون جسديا كالركل واللطم والكي والحرق والدفع…أو نفسيا معنويا من قبيل السب والشتم والسخرية والحط من قيمة الاخروالتنابز واللامبالاة والتهديد والوعيد…وقد يتطور ليكون جنسيا كالتحرش والاغتصاب،كما يتخذ العنف المدرسي شكلا آخر يتجلى في الاستغلال، كسرقة بعض الأساتذة بالجامعات لبحوث وانجازات الطلبة ونسبها إليهم في ضرب صارخ لمبدإ الأمانة العلمية،وكتكليف المتعلمات بالمدارس الابتدائية بتنظيف الحجرات الدراسية والساحة،وحتى لو كن يقبلن على ذلك بانشراح وسرور،إلا أن ذلك يعد مسا بكرامتهن وإجهازا على حقهن في الاستفادة الكاملة من المظروف الزمني المدرسي المخصص للتحصيل والاكتساب لا للتنظيف الذي هو من اختصاص فئات أخرى(عاملات وعمال النظافة)التي يجب توفيرها في جميع مؤسساتنا المدرسية وتحسين ظروف اشتغالهن.

إن لانتشار ظاهرة العنف المدرسي واستفحالها في العقود الأخيرة أسبابا وعوامل عديدة ومتنوعة،فبحسب ما توصلت إليه أبحاث ودراسات التربويين والمتخصصين في تفسير السلوك التربوي في حقل التربية والتعليم،هناك :
-عومل اقتصادية  : فقر،بطالة،قلة فرص العمل…
-عوامل اجتماعية : تمييز،عنصرية،حرمان عاطفي،طلاق،قمع، اضطهاد…
-عوامل تربوية   : قلة التجهيزات وعدم صلاحيتها،عقم المناهج والبرامج الدراسية على مستوى القيم,كثافة المضامين وعدم ملاءمتها للمستجدات التربوية…
-عوامل ذاتية    :تعاطي المخدرات،عدم القدرة على مسايرة التمدرس،جينات وراثية تحمل سلوك  العنف،فقدان الثقة في النفس وفي المدرسة…


لقد أنجزت بحوث ودراسات كثيرة حول ظاهرة العنف عامة،وقاربتها عدة نظريات،من قبيل،نظرية التحليل النفسي،ونظرية الإحباط،ونظرية التعلم الاجتماعي،ولعل هذه الأخيرة الأكثر شيوعا،حيث تنطوي عل فكرة أساس مفادها،أن الأشخاص يتعلمون العنف بنفس الكيفية والطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى،وأن عملية تعلم العنف تبدأ من الأسرة مرورا بالشارع ووصولا إلى المدرسة ومحيطها.


مما لا شك فيه،أن العنف سلوك غير سوي،ينبذه الدين ويجرمه القانون ويمقته العقل البشري السوي والسليم،لذا يجب التفكير مليا في السبل القمينة بالتصدي له ومحاربته حتى تغدو مدارسنا وجامعاتنا فضاءات  آمنة مستقرة يسودها السلم والأمن والتسامح بدل الحرب والخوف والكراهية،وبالتالي تتمكن من أداء رسالتها الأساسية على الوجه الأكمل والأمثل دون منغصات ولا معوقات،وفيما يلي بعض الاقتراحات المتواضعة التي نعتقد أنها تساهم في التخفيف من حدة العنف بمدارسنا وجامعاتنا :
-القيام بحملات توعوية وتحسيسية حول خطورة الظاهرة باستثمار كل وسائل الاتصال والتواصل المتاحة،
-تأهيل وتكوين الوالدين في مجال التربية الوالدية من طرف مختصين تربويين واجتماعيين ونفسانيين،
-إشراك المتعلمين/الأطفال في كل ما يهمهم وعدم قمعهم وإقصائهم،
-تعيين أخصائيين تربويين واجتماعيين ونفسانيين بالمدارس لمساعدة المتعلمين وكل الأطقم العاملة بها،
-إقرار أنشطة رياضية وفنية وترفيهية لقتل روتين التحصيل الدراسي اليومي،
-نشر وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح ونبذ العنف وتقبل الآخر وقبول الاختلاف…،
-تمكين الأطر التربوية والإدارية من دورات تكوينية تاهيلية في كيفية التعاطي مع ظاهرة العنف،
-توفير المرافق والتجهيزات الأساسية،
-تحسين العلاقات بين الأطقم الإدارية والتربوية فيما بينها،وبينها وبين المتعلمين/الطلبة وأولياء الأمور،
-تجريم العنف بإقرار عقوبات زجرية وردعية في القانون الداخلي للمؤسسات،
-مصاحبة وتوجيه الأطفال/المتعلمين وحسن إرشادهم،
-الحنو والعطف على الأطفال في البيت وفي المدرسة والاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم،
-تبني مقاربات بيداغوجية وأساليب تدريس حديثة بالابتعاد عن الأستاذية والتلقين،ما من شأنه تحبيب طلب العلم للمتعلم فيقبل علية بنشاط وحيوية دون كلل ولا ملل،
-تعديل المناهج الدراسية وتطعيمها بالقيم والمواقف الايجابية التي تحث على الحوار البناء والتسامح وتدعو إلى نبذ العنف والعدوان والظلم…


وجملة الكلام،فإن كل مؤسسات التربية والتعليم والتكوين من مدارس وجامعات ومعاهد إنما أنشئت لتكون فضاءات لطلب العلم والمعرفة وللتثقيف والتكوين والتأهيل،وليس للاقتتال والصراع والانتقام وتصفية الحسابات.فالواجب يفرض علينا جميعنا، دولة وفاعلين ومتدخلين وشركاء العمل الدؤوب على صون وحماية هذه الفضاءات من كل ما يسيء إليها والى مرتاديها،لأنها قاطرة التنمية الحقيقية على كل المستويات.

مواضيع مشابهة

Back to top button