العنف بالوسط المدرسي
بقلم ذ.لحسن الخلفاوي
إذا كانت المدرسة فضاء للتنشئة الاجتماعية، والتربية على القيم في بعدها الوطني والكوني يروم تكوين مواطنات ومواطني الغد، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويساعد المتعلم على النمو المعرفي والوجداني والثقافي ويؤازره في تحقيق مشروعه الشخصي، فإن مجموعة من الظواهر السلبية التي بدت تطفو مؤخرا بحدة على المشهد التربوي باتت تعكر صفو هذه المهمة النبيلة الموضوعة على عاتق المدرسة. ومنها العنف بالوسط المدرسي. وهو ظاهرة مقلقة تستدعي وقفة تأمل من قبل التربويين وصناع القرار السياسي والباحثين في علم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، والإجابة عن مجموعة من الأسئلة من قبيل: لماذا تزايدت حدة العنف في المدارس؟ هل أسباب العنف اقتصادية، أم اجتماعية، أم سياسية، أم هي مجتمعة؟ ألا يمكن أن يكون العنف نتيجة للتحولات السريعة التي طرأت على البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي؟ ما هي العوامل المحتملة التي تقف وراء هذا التفشي؟ أليس العنف في الوسط المدرسي مؤشرا على مقدار العنف الكامن في شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع ككل؟ كيف يمكن التصدي للعنف بالوسط المدرسي؟ من هم المتعلمون المؤهلون لارتكاب العنف المدرسي؟ من هم ضحايا العنف بالوسط المدرسي؟ ماذا بإمكان المؤسسة التعليمية القيام به للحيلولة دون أعمال العنف بالوسط المدرسي؟ ماذا بإمكان مؤسسات المجتمع المدني القيام به للحيلولة دون أعمال العنف بالوسط المدرسي؟ ما مدى تأثير العنف على التحصيل الدراسي خاصة، والأداء التربوي للمؤسسة عامة؟
تلك أسئلة لا ندعي القدرة على الإجابة عنها لكننا نطرحها للتفكير عسى أن يقيض الله لها من يبحث فيها، ولاسيما إذا كان من يبحث مؤسسة ذات إمكانيات مادية وطاقات بشرية مؤهلة كالمجلس الأعلى للتربية والتعليم، والجامعات المغربية، لأن الظاهرة تنامت في الآونة الأخيرة، وازداد حجمها وحدتها في مدارسنا، وإن كان بلدنا ليس الوحيد الذي يكتوي بنار العنف المدرسي؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية وهي من البلدان التي تعرف مدارسها عنفا كبيرا، ذكر المركز القومي للإحصاء التربوي((the National Center for Education Statistics في تقرير له بعنوان: (Violence and Discipline Problems in U.S. Public Schools: 1996-97) أنه خلال الموسم الدراسي 1996-1997 حدث 11000 هجوم بالسلاح داخل المدارس العمومية، وأزيد من 190000 هجوم بدون سلاح، وحوالي 115000 سرقة، و7000 حادث سطو، 98000 حادث تخريب للممتلكات العامة، و4000 حالة اعتداء جنسي. غير أن الفرق بيننا وبينهم أن الموضوع عندهم حضي بمئات الدراسات التي قامت بها جامعات ومعاهد ومراكز بحث مشهود بكفاءتها وفرت قاعدة بيانات تشكل منطلقا لعلاج الظاهرة. ومن المعلوم اليوم أنه لا يمكنك علاج ظاهرة وأنت تفتقر إلى معطيات دقيقة بخصوصها. وتفشي العنف بالوسط المدرسي ليس حدثا معزولا بل مؤشرا على الحالة العامة التي تطبع مجتمعا ما من المجتمعات.
أسباب تفشي العنف بالوسط المدرسي:
تشير الأبحاث حول العنف بالوسط المدرسي إلى عوامل عديدة قد تكون مسؤولة عن العنف بهذا الوسط ومنها:
– استعمال العنف بشتى صوره يجعل المتعلم يتقبل العنف بوصفه وسيلة لتحقيق مآرب معينة ولاسيما إذا كان المستهدف شخصا مستضعفا، مما يشجع على تنامي الظاهرة بالوسط المدرسي.
– طغيان نمط التدبير السلطوي بالمدرسة وما ينتج عنه من تحول المتعلم إلى موضوع، أو مستهلك، وليس ذاتا فاعلة ومشاركة في صنع القرار تحظى بالقبول والاحترام والتقدير. وهو أسلوب تتولد عنه مشاعر الحقد والكراهية والعدوانية تجاه كل ما يرمز إلى هذا الأسلوب أو يمثله. ومن هنا نفهم سر تفرج الكثير من التلاميذ على حالات من العنف الذي يرتكبه زملاؤهم ضد تربويين بنوع من التشفي.
– العنف الممارس خارج أسوار المدرسة (عنف العصابات، عنف الإعلان، العنف السياسي، العنف المنزلي…..) تتم إعادة إنتاجه في الوسط المدرسي.
– عندما ينخرط التلميذ في أعمال العنف أو يعيش في وسط يعتبر فيه العنف والمخدرات جزءا من الثقافة السائدة فإن ذلك يؤدي حتما إلى نقل جزء من هذا العنف إلى المدرسة.
– الوضعية الاقتصادية المزرية للأسرة
– تدني مستوى التقدير الذاتي.
– ضعف مهارات التواصل.
– غياب الاسرة عن المدرسة.
– تدني توقعات المدرسة والاسرة من المتعلم.
– العنف في المنزل
– وجود عنصر خطير في الاسرة.
– تعاطي المخدرات والكحول.
– التعرض للعنف في فترات سابقة.
– الخلاف بين الأبوين والإدمان والأمراض العقلية والاكتئاب وعدم النضج عوامل مساعدة على ارتكاب العنف.
– وضعية المؤسسة التعليمية قد تكون مساعدة على تنامي ظاهرة العنف (حجم المؤسسة، وموقعها، وإمكانياتها المادية…) فقد ذكر المركز القومي للإحصاء التربوي الأمريكي أن العنف في المؤسسات الكبيرة يفوق بكثير نظيره في المؤسسات الصغرى: 89% من المؤسسات الكبيرة أقرت بوجود حوادث عنف كل سنة. بينما لم تتعد هذه النسبة 38% في المؤسسات الصغيرة.
– ينتج العنف أحيانا عن عدم إشباع حاجات أساسية لدى المتعلم، ومن ضمنها الحاجة إلى الاعتراف، والتقدير والاحترام.
نتائج العنف بالوسط المدرسي:
يسفر العنف أو إساءة معاملة الأطفال عن نتائج وخيمة على الصحة العقلية والنفسية والبدنية للطفل فهو يرتبط بضعف المهارات الاجتماعية، والاكتئاب، والقلق، والعدوانية، ونقص في التعاطف والاهتمام بالآخرين، وفقدان الثقة في الذات والمحيط…كما أن التوتر الناجم عن العنف في المدرسة يقلل من فرص تعلم التلميذ، ويحد من فعالية الخدمات التي تقدمها المدرسة لروادها. وفي هذا الصدد أشارت الأبحاث الحديثة إلى تأثير سوء معاملة الأطفال على نموهم العقلي، فذهن الطفل الذي يعاني من التوتر بسبب تعرضه لسوء المعاملة يركز طاقاته على أساليب البقاء والاستجابة لتهديد محيطه، ولاشك ان منطقة معينة من الدماغ تظل في هذه الحالة تشتغل بشكل مكثف مما يسبب ضمور مناطق أخرى وهذا يؤثر على التحصيل الدراسي (Preventing Child Maltreatment.p:8) كما أن الأطفال الذين تعرضوا للعنف أو سوء المعاملة بغض النظر عن طبيعة هذا العنف وهوية مرتكبيه هم الأكثر عرضة لخطر ارتكاب العنف أو التعرض له في مراحل لاحقة من أعمارهم، كما أنهم معرضون أكثر من غيرهم للآفات الاجتماعية كالإدمان، والعزلة، والإقصاء الاجتماعي، والاكتئاب، والانتحار، والبطالة… إلخ (Preventing Child Maltreatment.p:9)
بعض الحلول الكفيلة بالحد من حدة العنف بالوسط المدرسي:
هناك مجموعة من الإجراءات والتدابير التي يمكن اتخاذها على صعيد المؤسسة التربوية والتي يمكن إذا ما أحسن استخدامها وحملت على محمل الجد أن تقلل من العنف بالوسط المدرسي، ولاسيما ما تعلق منها بالفصل الدراسي ومن جملتها ما يلي:
– تعليم المتعلم التفكير النقدي بما يتيح له نوعا من الاستقلالية في التفكير، واتخاد القرار المناسب بعيدا عن تأثيرات الإعلام والمحيط.
– تعويده التعبير عن أفكاره وإبداء مشاعره واهتماماته.
– تعهد قدرته على المراقبة الذاتية.
– تعليمه كيف يتجاوب مع أحداث الحياة وإحباطاتها بأسلوب خال من العنف..
– تضافر جهود المجتمع المدرسي ( أطر إدارية تربوية، المستشار ي التوجيه، المتعلمون، جمعية الآباء، الأسر، الشركاء..) من أجل فهم عميق لظاهرة العنف بالمؤسسة التعليمية، ووضع تصور مشترك لمحاربته.
– تفعيل أدوار الحياة المدرسية مع التركيز على الأنشطة التي تستهدف إنماء مهارات الحياة الأساسية كمهارة التفكير النقدي، وحل المشكلات، وفض النزاعات بشكل سلمي، واحترام الرأي الآخر، وقبول الاختلاف والتعبير عن الرأي أو الفكرة بهدوء…
– تشجيع التعلم التعاوني وإتاحة فرص كافية للمتعلمين للتفاعل فيما بينهم، وتدريبهم على الحوار والتفاوض، والتداول في القضايا المطروحة عليهم. فهذه مهارات أساسية لا تتعلم عبر أسلوب الموعظة والمحاضرة بقدر ما تتعلم عن طريق الممارسة والتدريب.
– جعل المتعلم شريكا في التصدي للعنف: وذلك من خلال إشراكه في الخطة المدرسية لمناهضة العنف والتصدي له.
– توزيع المهام على المتعلمين داخل الفصل الدراسي وإشراكهم في وضع نظامه الداخلي واتخاذ القرار.
– عقد لقاءات تواصلية مع الأسر وتحسيسها بأهمية التربية المبنية على الحوار والتواصل، وخطورة العقاب البدني، والعنف الرمزي على مستقبل الطفل وعلى المجتمع عامة.
كما يجب على الساهرين على إعداد البرامج والمناهج تضمين المقررات الدراسية ثقافة الحق والواجب في إطار وضعيات دالة ونصوص مشوقة ومحفزة على المناقشة والتداول، لأن ما نلاحظه في المقررات ولاسيما تلك الحاملة لمفاهيم حقوق الإنسان كاللغات والتربية الإسلامية والاجتماعيات والفلسفة أنها تعرض لهذه الثقافة بصورة فجة وسطحية سرعان ما تجعل المتعلم يقارن بين المكتوب والواقع فيزدري هذه الثقافة ويتهكم على المدرس الذي يصير محل سخرية. ولذلك يمكن تدريس هذه الثقافة من خلال القصة والشعر والمسرح واللعب والأحداث المعاصرة، والصور المعبرة، والأفلام الوثائقية…
هوامش: