الفكر بين النظر والإبصار
بقلم شيماء العطلاتي : طالبة باحثة بالإجازة المهنية بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس – المغرب “مسلك الدراسات الإسلامية”.
لعل أكثر ما يريح الإنسان ويمنحه نوعا من الاستقرار النفسي تموضعه في إطار معرفي معين؛ يضمن له إجابات للأسئلة التي قد تلسع عقله، ويجعله يملك موقفا محددا تجاه الأشياء بغض النظر عن طبيعة هذا التموضع وحقيقته.
فينبهر بفكرة- لقصوره المعرفي- فيتبناها لتصير إطارا حاكما له، أو يفتتن بشخص فيتبعه ويمسي منافحا عن عقيدته وفكره وتصوره، أو يقرأ كتابا فيصير إنجيلا له يحكم نظرته للحياة… ثم يمضي معتقدا أنه صاحب فكرة وعقيدة وينسى أو يتناسى أنها مستنسخة ، ينظر للأمور ويحسب أنه يبصرها وقد قال تعالى : “وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون” والفرق بين النظر والإبصار كالفرق بين الذي لا يزال قابعا في “كهف أفلاطون” يرى الظلال ويحسب أنها الحقيقة المطلقة، وبين الذي خرج من الكهف سائحا في أرض الله، باحثا عن مصدر الضوء.. فالمعنى لا يدرك إلا بالمعاينة ، والمعاني وليدة المعاناة، والحقيقة درجات؛ أدناها : إماطة غشاوة الانبهار عن عين العقل.. وأعلاها معاينة المعنى ولا يتحقق هذا إلا بالبحث والتنقيب وبذل الجهد…
وليس التقليد الأعمى والإجابات الجاهزة والمواقف المستنسخة.
والإنسان مذ اعتقد أن البحث تكليف بما لا يطاق اتجه إلى الرخص باحثا فيها عن فسحة تنقله من ضيق الواجب إلى سعة المباح فاستوى عنده الإقدام والإحجام، ولأن الطبع يغلب التطبع فضل الإحجام.
ولو أنه أدرك ما في البحث والتنقيب وبناء المواقف من لذة وحلاوة لما اتخذ موقفا سلبيا ولما سمح لشخص أن يفكر بالنيابة عنه، ولسعى إلى اكتشاف الأمور بنفسه واستنباط الحقائق وبناء الأفكار، رغم ما في الأمر من نصب ومشقة ، وقد قال الإمام الشافعي في معرض حديثه عن الشفاعة : “واستنبطت آيتين فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها : “يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه” وفي كتاب الله هذا كثير “من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه” فتعطل الشفعاء إلا بإذن الله” ومحل الشاهد عندي قوله : فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها.
والموت ليس خروجا للروح من الجسد فقط بل هو أنواع، ومن أشد أنواعه الموت المعرفي، ومن صوره الاقتصار على النظر بدل الإبصار كما تمت الإشارة سابقا، لذا ينبغي أن يكون شعار المرء : وفكر حتى يأتيك اليقين، بمعنييه؛ القرآني واللغوي، وإن كان الثاني ليس باليسير.