الكفاءة التربوية: مرحلة تقويمية أم تقييمية؟ – نصائح وارشادات.
مراسلة : ذ. خالد بيلا
بعد سنة تكوينية بمركز مهن التربية والتكوين، يلتحق الأستاذ “المتدرب” بكيان التربية والتعليم، مُتقلدا مسؤولية تربية الأجيال وتنوير عقولها. وكأي مستجِد في وظيفة ما، وجب مروره من صراط التقييم لتعيير كفاءته.
قبل الخوض في شُجون الموضوع، حبّذا لو سلّطنا الضوء على الفرق بين الكفاية والكفاءة كمفهومين تربويين. فالكفاية هي مجموعة من المعارف والمفاهيم والاتّجاهات التي توجّه سلوك المتعلّم في المواقف المختلفة، والتي من شأنها أن تيسر للعملية التعليمية التعلّمية تحقيق أهدافها العقلية والوجدانية والنفسية والحركية، ويمكن قياسها بمعايير متّفق عليها. أما الكفاءة فيمكن تعريفها بمجموع التصرفات الاجتماعية العاطفية، والمهارات المعرفية والنفسية والحسية والحركية التي تمكن من ممارسة وظيفة، نشاط أو مهمة بدرجة من الإتقان والمهارة تتطابق مع نموذج محدد سلفا. فإن كانت الكفاية تمثل الحد الادنى الذي يلزم لتحقيق هدف ما، فالكفاءة شملت هذا المفهوم وتجاوزته بدرجات لتمثل بذلك الإتقان والجودة؛ فالمتعلم المتوسط مستواه الدراسي، يعتبر ذو كفاية، بينما المتعلم الممتاز فذو كفاءة وكفاية معا، باعتبار أن هذه الأخيرة جزءًا من سابقتها. لذلك، ومما سلف يتبين لنا سبب استعمال مفهوم الكفاية في مجال التربية والتعليم، وذلك ترسيخا لمبدأ الفارقية داخل الفصل وعدم التركيز على الفئة الممتازة من المتعلمين دون البقية، الشيء الذي سيخلف انتقائية ونخبوية في التعليم قد يترتب عنها هدر لِحَقّ التعلّم؛ في حين نستعمل مصطلح الكفاءة في الوظيفة لأننا نسعى إلى الجودة والإتقان والمهارة في المدرس، وهنا يكون للنخبة نصيب مستحّب.
لقد صار يطغى على امتحان الكفاءة التربوية، وعلى التقويم التربوي بصفة عامة، الطابع التقييمي العددي، الذي يجعل من الظاهرة محصورة في اليوم المنتظر، متناسين مفهومه الواسع ومنهجيّته الممتدة الى ما بعد اصدار الحكم على مدخلات ومخرجات النظام التربوي. فامتحان الكفاءة التربوية مرحلة تكوينية بقدر ما هي تقويمية، ومن الضروري على الأستاذ “المتدرب” استخلاص ما أمكن من قيم مضافة يعزز ويصقل بها مهاراته.
باقتناع الأستاذ المُقبل على الكفاءة، بأهمية هذه المرحلة في مسيرته المهنية، كأداة تكوينية تقويمية محضة، سيكتسب ثقة أكبر وسيتمكن من تسطير أهداف أعمق وأدق، ففرحة الحصول على قرار الترسيم آنية محدودة في الزمن، بَيْد أن آثار التحضير والاستعداد الرّزينين والتكوين الذاتي، باقية ما لبثت الممارسة الميدانية.
من النصائح والتوجيهات، الخاصة بهذه الفترة، اخترت ما هو موضوعيا قابلا للتحقق، مستأنسا بتجربة شخصية، وشهادات مختلفة، مركّزا على الأخطاء الشائعة لتجنبها، ونقاط التميز للتركيز عليها، وقد صُنّفت كما يلي:
اللجنة المُشرِفة : تتكون من مؤطر تربوي (وجوبا) وأستاذين غالبا، أو أستاذ ومدير في بعض الأحيان.
يقوم أعضاء اللجنة بالجلوس في الصفوف الأخيرة من حجرة الدرس، لذلك هيئ لهم مسبقا مكانا مناسبا وزاوية ملائمة لمعاينة كل الفصل.
بعد دخول اللجنة قم بتقديم وثائقك من ملف تربوي وجذاذات ودفاتر … واشرع مباشرة في التمهيد للحصة من أجل بداية الدرس مع متعاقديك. تناسى حضور اللجنة أو أي شخص داخل الفصل ما عدا المتعلمين، وتجنب النظر للضيوف الاستثنائيين حتى لا ترتبك أو تجسد لديهم صورة المتردّد الغير الواثق من قدراته.
بعد تقديمك للحصص المقررة، تأتي مرحلة المناقشة، حيث سيتم التطرق لسيرورة الدرس ونقاط الضعف والقوة فيه. ويمكننا خلالها تصّور السيناريو التالي:
– قبل أن تُستهل المناقشة حضّر ورقة وقلما لتدوّن ملاحظات اللجنة، وتقبّلها بصدر رحب.
-دافع عن رأيك واختياراتك بعد اعطائك الكلمة، دون تعصّب وبكل احترام، واقبل توجيهات الأعضاء فَهُم يفوقونك خبرة.
– أثناء المناقشة حاول ألاّ تركز انتباهك على شخص دون آخر، بل وزّع نظرك على جميع اللجنة وأنت تتحدث.
– من البديهي أن تصطحب معك ما تيسر من المعارف والمعلومات المتعلقة بنظريات التعلّم وبطرائق التدريس التي استعملتها أثناء تدبيرك للحصص المقدمَة، كالبيداغوجية الفارقية التي أضحت قاعدة وليست استثناءً داخل أي فصل، بيداغوجية الخطأ، حل المشكلات …..
– قبل احتضار المناقشة، ستطرح اللجنة بعض الأسئلة للتحقق من مدى تمكنك من مادة التشريع، ومن بين أهم النقاط التي يجب معرفتها نذكر: مجالس المؤسسة، الرخص، الحوادث المدرسية، الترقية…
– بعض اللجان تطلب في الختام من الأستاذ طرح بعض التساؤلات، أو الاستفسار عن بعض الجوانب التربوية والادارية… وهذا يدخل في إطار التكوين والتوجيه التربويين.
الملف التربوي: يعد من أهم الوثائق الخاصة بالأستاذ، وهو أول ما تطّلع عليه اللجنة، لذلك وجب الاهتمام بطريقة تقديمه، والأفضل استعمال مستند حامل للأوراق(portfolio) وتكييفه الى ابواب مستهلة بواجهات مصممة بعناية، فالتقديم المنظم يعكس الجانب الجدي والمنضبط للأستاذ.
ويمكن تقسيمه، على سبيل المثال لا الحصر، الى الاقسام التالية:
– قسم تعريفي : يضم سيرة ذاتية للأستاذ – نسخا عن الشواهد المهنية والأكاديمية – قرار التعيين – الوضعية الإدارية …
– قسم الوثائق التربوية : يضم لائحة العطل المدرسية – المقرر التنظيمي للسنة الدراسية الحالية – جدول الحصص – الجدول الدراسي – تقارير تربوية (تقرير التقويم التشخيصي، تقرير زيارة المدير…) – شبكة تشخيص التعلّمات – بطاقة تشخيص الجانب النفسي والصحي للمتعلمين – محضر تأسيس تعاونية القسم …
– قسم الوثائق المتعلقة بالمنهاج : الكفايات من صنف “أ” حسب المستوى الدراسي المسند – التوزيعات السنوية والمجالية والشهرية – معينات ديدكتيكية (صور أو رسومات أو بطاقات استعملتها في بعض الحصص) – يمكنك أيضا تنقيح ملفك بجذاذات أنجزتها بعناية وفق آخر ما تعلمته بالمركز الجهوي، ذلك سيبرز مدى تمكنك من مهارة التخطيط وكذا الأهمية التي توليها لتقديم الحصة، وهذا يبقى اختياريا …
– قسم التكوين المستمر (اختياري) : يمكن أن يضم كل وثيقة من شأنها تيسير العملية التعليمية التعلمية، في إطار التكوين الذاتي للأستاذ، كبحوث تربوية، منهجية تدريس المواد والمكون المنهجي أو الميتودولوجي للمادة… مع مساواة كفتي الكمّ والكيف.
التخطيط والتدبير : لعل أبرز ما يجب أن توليَه أهمية وعناية فائقتين هو التخطيط للدرس، والجذاذة تترجم وصفا وتحليلا ووعيا قبليا لما ستقَدّمه أمام اللجنة، لذلك كلما ازددتَ تبصّرا، ازدادتْ بدورها رُبُوّا. في هذا الصدد ارتأينا التركيز على النقاط التالية لتخطيط وتدبير ناجحين:
– من أهم شروط التخطيط : الواقعية والمرونة. اجعل تخطيطك مرنا وجهّز دائما خطة بديلة. فمثلا اعتمادك على اجهزة كهربائية (حاسوب، مِسلاط، مصباح…) كمُعينات في درسك، سيجعلك تفقد زمام الأمور في حال انقطاع الكهرباء، لذلك فلا انفكاك من جعل مساحة مرنة للتدخل وتغيير المسار لا الهدف، في الظروف الطارئة.
– معرفة المادة التي ستكون موضوع امتحانك، في شقه العملي، سيساعدك حتمًا على التهيّؤ خاصة نفسيًا، فأساتذة الأقسام المشتركة أو المزدوجين، غالبا ما يقعون في حيرة. فإن كنت أستاذا للسلك الأساسي فستقدم حصصا في اللغة العربية، بينما أساتذة السلك المتوسط فسيكونون معنيّين بالمادة المسندة إليهم، إلا في حالة الأستاذ المزدوج، فسيتم تقديم حصص في مادة الفرنسية.
– يُقدّم الأستاذ أمام اللجنة حصتين: في حالة أستاذ اللغة العربية، حصة في اللغة وحصة في مادة أخرى. في حالة أستاذ اللغة الفرنسية، حصة في اللغة وحصة في الرياضيات.
– لا تُنجز حصة الدرس مسبقا مع المتعلمين، فالتدريب والاستئناس لا يعنيان اطلاقا حرق جميع أوراقك، فإن كان ولا بد، فحسبك بعض الأسئلة لجس النبض والتحضير والتمهيد.
– قد يصادفك أحيانا عدم تجاوب المتعلمين أثناء الحصة، هذا شيء عادي جدا، حاول تغيير طريقة طرحك للسؤال، أو اعطاء اختيارات، تلميحات، أو استخدام الحركات الإيمائية (le gestuel).
– قد تكون أجواء وجدولة هذا اليوم، جديدة أو مُربِكة، بالنسبة للمتعلم كما هي بالنسبة للأستاذ، لهذا وتفاديا للملل وقلة الاهتمام أو التركيز لدى المتعلمين والمتعلمات، احرص على تنويع أشكال الأنشطة المعتمدة. كما يستحسن من حين الى آخر اللجوء الى بعض التطبيقات والانشطة المسلية، التي تصب بالطبع في نفس سياق أهداف الدرس المسطرة.
– تدبير فضاء القسم يقتضي مراعاة شروط النمو الذي يتطلب السماح للمتعلمين بالحركة، وتنظيم العمل في وضعيات جلوس ملائمة ومريحة. كما يمكن للأستاذ استعمال فضاءات أخرى للتعلم متى توفرت الشروط لذلك.
– الوسائل الديدكتيكية : يجب أن تلائم المبادئ التربوية وتمثلات وقدرات المتعلم الادراكية، وحبذا لو تم ادراج بعضا من التكنولوجيات الحديثة، شريطة أن تكون الوسيلة مساعدة على تحقيق الهدف التعلمي، لا أن تتحول إلى مضمون تعلمي أو غاية للتعلم، كما يجب على الأستاذ أن يعي بشكل واضح الهدف الذي يستخدم لأجله هذه الوسيلة.
– في التقويم تجنب السؤال الكسول “هل فهمتم؟”، واعلم أن التقويم بشتى أنواعه، لا يقيس فقط الجوانب المعرفية الصّرفة للمتعلم، بل يقيس أيضا قدرته على توظيف هذه المكتسبات وقدراته التحليلية والمنهجية والاستراتيجية. وللإشارة فيجب على الاستاذ أن يشير في تخطيطه بشكل دقيق إلى نوع التقويم المعتمد وأن يبرز عناصر ومضمون هذا النشاط التقويمي.
الدفاتر والسجلات : ما لا يقل أهمية عن الملف التربوي، وما يعطي صورة موضّحة عن سيرورة العملية التعليمية التعلّمية، دفاتر المتعلمين والسجلات التربوية، إذ أنها تعتبر أداة تقويمية لأداء الاستاذ من جهة، ولمدى تمكّن المتعلم من الكفاية من جهة أخرى، ومن أبرزها نذكر:
– دفاتر المتعلمين ودفتر التناوب : كن دقيقا في تصحيحك للدفاتر، فمن أهم الملاحظات التي يبديها بعض المؤطرين التربوين: عدم تصحيح التاريخ – عدم كتابة النقطة العددية مرفوقة بملاحظات الأستاذ وتوجيهاته – الكتابة بخط غير سليم أثناء التصحيح.
– السجل اليومي للغياب.
– سجل الأنشطة التربوية (المذكرة اليومية): أكثر ما يثير انتباه المؤطر التربوي في المذكرة اليومية، هو اغفال الاستاذ في بعض الأحيان عن ادراج خانة الأهداف، أو رقم الجذاذة وأيضا اهمال وضع ملاحظات في نهاية جدولة الحصص اليومية.
هذا وتبقى مرحلة الكفاءة التربوية، فرصة ليُقّوم الأستاذ عمله وأداءه، ويستفيد من ملاحظات وتوجيهات هيئة التأطير التربوي، معززا نقاط قوته ومتغلبا على نقاط ضعفه في السنوات القادمة. فالخبرة والمعرفة عنصران مُكمّلان لبعضهما، بل إن الممارسة والخبرة هما أساس المعرفة وليس العكس … لتبقى هناك فجوة كبيرة بين المعارف التي تلقاها الأستاذ بالمركز و بين الخبرة، طالما أنه لم يمارس التجربة العملية ويمر بأحوالها التطبيقية.