ان القيام بقراءة سوسيولوجية بسيطة للنسق الاجتماعي الراهن تجعلنا نخلص الى وجود تراجع قيمي خطير ينبئ بزلزال اجتماعي رهيب يلوح في الافق على المديين المتوسط والبعيد.
ولا يخف على احد انه من الأدوار الرئيسية للمدرسة زرع القيم في نفوس وسلوك النشء، غير أن ما نلاحظه هو ان المدرسة أصبحت تفرخ جيلا أجوفا هشا فكريا وقيميا سهل الاستدراج نحو كل ماهو أسود قاتم, خصوصا امام هذه الوتيرة المتسارعة التي يتطور من خلالها العالم وما يشهده من تحولات وتطاحنات عقدية واديولوجية.
وحري بنا ان نذكر ان القيم لم تمت ولن تموت ولا يجوز لها حتى ان تمرض ,ما دامت الحياة على وجه الارض بوجود اناس يوقظون الضمير الانساني ويحملون هم نشر مكارم الاخلاق والدعوة الى الصلاح , وما نلحظه من انحلال اخلاقي وانعوجاج في السلوك وسخافة في الذوق وميوعة في الشكل وفضاضة في اللفظ, كلها مظاهر تتحمل فيها الدولة و المجتمع و الاسرة نصيبا من المسؤولية لانها رفعت ايديها عن دعم المدرسة في ترسيخ القيم، اذ انه ليس معقولا ولا مقبولا ان يتم تحميل المدرسة ما لا طاقة لها به في ذلك, فاذا كانت المدرسة كمؤسسة تربوية تعمل على بناء افراد صالحين متشبعين بالقيم الانسانية الكونية فانها تجد نفسها مكبلة في أدائها هذه المهمة، فالمدرس بين المطرقة والسندان, مطرقة المذكرات الوزارية التي تمنعه من اتخاذ التدابير التأديبية في حق المتعلمين الغير منضبطين, وسندان الضمير المهني والناموس الادبي الذي يحتم عليه التدخل الايجابي من اجل تصحيح الاختلال ,لانه بداية ونهاية يتعامل مع فرد متعلم يفترض انه في مرتبة الاخ او الابن وحتى الصديق احيانا .
انها معركة حقيقية تعيشها مؤسساتنا التربوية, فان لم يكن بامكانها راهنا بناء و ترسيخ القيم فهي تعمل جاهدة على الاقل من أجل تحصين ما تبقى منها خصوصا وان مناهجنا التعليمية تكاد تكون مفرغة وجافة من القيم الأساسية وكأنها تخاطب الجمادات, وما وجد منها يصعب تمريره في ظل التركيز على الكم بدل الكيف.
معلوم أن الوضع الراهن لمدارسنا لا يبعث على الاطمئنان مطلقا وفي السياق نشير الى أن الاصلاحات التي عرفتها المنظومة التربوية تبقى مجرد تصورات ومثاليات على الورق, لان الاصلاح الحقيقي من أجل تجويد العمل التربوي يستوجب أجراة في الواقع, اصلاح شامل يرتكز على مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار اراء المزاولين في الميدان, الأكثر دراية بالاكراهات والاختلالات, والأعلم بأشكال ومجالات الاصلاح, والأكيد ان أي اصلاح لا يستحضر البعد القيمي يبقى في حد ذاته بلا قيمة.
ان النماذج التربوية المتقدمة عبر العالم تقرن التربية بالتعليم توازن بين ثلاثية العقل -النفس –السلوك, في أفق بناء الانسان المتزن الفاعل والمنخرط في مسيرة التنمية ببلده ,فكما أن المدرسة هي فضاء لصناعة العقل والفكر البشري, فهي أيضا مشتل لغرس بذور القيم الانسانية التي ستؤسس شخصية رجال و نساء الغذ.
علاقة المدرسة بالقيم علاقة تفاعل تستدعي تدخل الجميع من دولة و أسرة ومجتمع مدني كل من موقعه في نطاق هامش التدخل المخول له وما تحميل المدرسة ممثلة في رجال ونساء التربية كل المسؤولية في تراجع القيم داخل المجتمع ما هي الا تراهات وتحليلات سطحية غير مؤسسة ومفتقدة للشمولية والاستبصار كما أنها مجرد نظرة ضيقة تستهدف تبخيس العمل التربوي بل الأكثر من ذلك هناك جهات مغرضة تستهدف صورة رجل التربية داخل المجتمع وهز مكانته الاعتبارية بعد أن كان القدوة و المثل الأعلى أصبح محطا للسخرية و تيمة للتنكيت و محور نقاشات ذوي الافكار الرديئة
المدرسة ورهان ترسيخ القيم
بقلم الاستاذ رشيد عربوش