مشاكل التعليم بالمغرب والحلول المقترحة لتجاوز الاختلالات
ما هي المشاكل التي يواجهها التعليم في المغرب؟ والحلول المقترحة لتجاوز الاختلالات في المنظومة التربوية بالمغرب
مراسلة: ذ.حسن القاسمي مفتش تربوي بالرشيدية
مشاكل التعليم في المغرب
إن أزمة المنظومة التعليمية بالمغرب ليست جديدة ، لكنها لم تكن تعالج بشكل سليم ، وإن حسنت النوايا انطلاقا من مناظرة إفران 1980 مرورا بالإصلاحات المتكررة في 1990 و 1994 ثم سنة 2000 مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين فالمخطط الاستعجالي 2009 /2012 ثم المشاورات التي نظمها المجلس الأعلى للتعليم حول حالة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين. وأخيرا التدابير ذات الأولوية 2015-2016 مع الرؤية الاستراتيجية : 2015-2030.
من مظاهر اختلالات المنظومة التربوية:
• المراتب المتأخرة للمغرب على الصعيد العربي و الدولي في التقويمات الدولية خاصة :
TIMSS : الدراسة الدولية حول الاتجاهات في الرياضيات و العلوم .
PIRLS : الدراسة الدولية حول التقدم في القرائية .
• تدني مستوى التلاميذ في كل المستويات .
• نظرة المجتمع المتدنية للتعليم الذي لم يعد وسيلة للترقي الاجتماعي لعدم ملاءمة شواهد المتخرجين لمتطلبات سوق الشغل .
• انعدام الضمير المهني .
• سوء التوجيه .
إن أهم أسباب التعثرات والاختلالات التي عانت منها منظومتنا التعليمية في ظل النقاش الدائر حاليا حول إصلاح المنظومة التربوية ما يلي :
1 – غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم ، فلسفة توضح الغايات والمرامي والأهداف التي ينبغي تحقيقها وتجسيدها في المواطن المغربي . مثلا كأن نقول نريد تلميذا حاملا للشهادة الابتدائية على سبيل المثال متمكنا من الخطاب اللغوي الشفهي والكتابي باللغة العربية واللغة الأجنبية قد تكون الفرنسية أو الأنجليزية . ماذا نريد كغايات كبرى ؟ عدم التدقيق و الوضوح في الغايات من التعليم.
2- غياب ثقافة الإشراك : عانت منظومتنا التربوية على امتداد عقود من غياب ثقافة إشراك الأطر التربوية في الإصلاح وفي اتخاذ القرارات و في اختيار برامج وكتب مدرسية منتجة على الصعيد الجماعاتي أو المحلي ، حيث يتم تنزيل الاختيارات و التوجيهات من الوزارة إلى المؤسسات دون إشراك المعنيين.
3 – الخصام المزمن بين المناهج والتقويم : عاشت منظومتنا على امتداد أعوام طويلة خصاما دائما بين البرامج وأساليب التقويم ، فلم تكن منظومتنا منسجمة يوما ما مع ذاتها ، إذ هناك مفارقة رهيبة بين المقاربة المؤطرة للمنهاج الدراسي ووسائل التقويم . فحينما تم اختيار البرامج بواسطة المقاربة بالأهداف ،يقوم المتعلم باسترجاع ما تلقاه ، ولم نكن نختبره في قدراته التحليلية والتفكيرية. و حاليا حينما اختارت منظومتنا التربوية المقاربة بالكفايات لم نجد للوضعيات المشاكل أي موقع في تقويم قدرات المتعلمين على إبراز كفاياتهم . وظل الشحن والاسترجاع هو السمة الغالبة، إذ الشرط الحصري لاختبار كفايات المتعلمين هو القدرة على إيجاد حلول للوضعيات المشاكل ، وهذا ما لم تعرفه منظومتنا لحد الآن رغم زعمها بتبني هذا الاختيار.
4- التضارب الحاصل بين أجنحة ومراكز القرار داخل وزارة التربية الوطنية والتي من المفروض ان تؤطرها خلفية فلسفية واضحة المعالم مع اختيارات بيداغوجية تابثة، وهذا غير موجود مع كامل الأسف ، ولعل المتتبع للشأن التربوي في بلادنا يلمس ذلك بوضوح من خلال تضارب التصريحات والمراسلات والمذكرات ، مثل ما وقع مؤخرا في مسألة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في الثانوي التأهيلي و غيرها .
5- غياب آليات المواكبة والتتبع: لعل أغلب المشاريع التي كان يراد لها أن تجرب قد فشلت بسبب غياب أو ضعف وتيرة المواكبة والتتبع وعدم فاعليتها.
6- تهميش مراكز البحث: وذلك بإعطاء الأهمية الكبرى للبحث والتجديد التربوي كما تفعل أغلب دول العالم من خلال عمليات تجديدية وتجريبية لا تتوقف .
7– تدبير الزمن المدرسي : وهو معضلة المعضلات ، إذ لم يعرف تدبير الزمن استقرارا منذ الاستقلال إلى الآن، ففي الماضي كان يدبر بطريقة فوقية ، وكان حينها اجتهادا خاصا من طرف بعض الفاعلين التربويين، ورغم ذلك أعطى بعض النتائج بتركيزه على البعد المعرفي أكثر. وينبغي أن يتم التوافق حول استعمالات زمن مفتوحة وليست نماذج نمطية ، كما أن توزيع الأنشطة ينبغي أن يكون شموليا يراعي أبعاد الشخصية المختلفة ، و يتسم بالمرونة والانفتاح على مختلف الأنشطة .
8– فوضى الكتاب المدرسي : إن الكتاب المدرسي لا غنى عنه رغم الطفرة الرقمية الحالية ، إذ الموارد الرقمية في الوقت الراهن تكمله وليست بديلا عنه، ولقد عشنا زمنا طويلا مع الكتاب المدرسي الوحيد، الذي كانت تصدره وزارة التربية الوطنية، لكن بعد تحريره والاستعاضة عن الوحيد بالمتعدد غرقنا في فوضى المفاهيم والخلفيات والأنشطة الميالة إلى الشحن المعرفي حد الغثيان مما جعل التلاميذ ينفرون منه. إذ لا أحد اليوم منهم يحب الكتاب المدرسي بسبب تخمته المعرفية. وتوظيفه لبيداغوجيات شكلية وتناقضه الواضح بين مقدماته النظرية التي تتبنى طرحا نظريا متقدما بينما أنشطته متخلفة جدا عن هذا الطرح النظري .
9 – انتقاء الفاعلين التربويين وتكوينهم : حينما نقول الفاعلين فهذا يعني كل الفاعلين من مختلف مواقعهم وتكوينهم بمعايير دقيقة وتخصصية ، وتتبع مساراتهم وتحفيزهم مع محاسبتهم حول تقصيرهم عن المهمة المنوطة بهم. والأهم تحريك عملياتهم الإبداعية حتى يكونوا مساهمين حقيقيين يستشعرون المهام النبيلة التي يقومون بها. لا أن يكون موظفين يؤدون مجرد وظيفة عادية وإنما يكون لدى كل واحد هم مشترك تذوب فيه الطموحات الفردية وتنصهر لخدمة الوطن بمعنى ان يكون كل فاعل تربوي حاملا لهذا المشروع يدافع عنه
ويعمل من أجله. وهذا ليس سهلا إذ يقتضي تكوينا وتدبيرا جيدا كما يقتضي وضع آليات دقيقة وعادلة من أجل قيادة هذا المشروع الوطني .
10- وضعية المؤسسات التعليمية:
تعرف المؤسسات التعليمية اختلالات عميقة بسبب عوامل عديدة منها:
– الممارسة داخل الفصول الدراسية:
تجمع كل التقارير والتقويمات المنجزة على تدني مستوى أغلب المتعلمين، وفي كل المستويات الدراسية. وأن الصعوبات التي تعترض التلاميذ مرتبطة بتاريخهم الدراسي للتلاميذ الوافدين على السلك الإعدادي والتأهيلي. وأن المعالجة تستعصي أكثر كلما زاد اكتظاظ الأقسام مع قلة الوسائل و القاعات و الموارد البشرية.
– تعثر استعمال التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل في العملية التعليمية- التعلمية.
اقتراحات من أجل الإصلاح:
– المناهج الدراسية:
لابد من إعادة النظر في المناهج والبرامج، و تقليص مضامينها أي الاعتماد على الكيف و ليس الكم و مطابقتها للمقاربة المعتمدة : الكفايات أي أن تتضمن وضعيات بنائية و أخرى تقويمية…..
– استعمال الزمن المدرسي:
أصبح من الضروري إعادة النظر في الإيقاعات المدرسية لجعلها أكثر ملاءمة للمناطق، كانت قروية، شبه حضرية أو حضرية. وذلك للتقليص من الهدر الكبير لوقت وجهد المتعلمين، في التنقل بين بيوتهم ومدارسهم. وينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، أيضا، صعوبة تنقل المدرسين والإداريين إلى بعض المناطق التي يستحيل السكن بها.
ينبغي الحرص على:
أن يسود الانضباط، داخل الفصول الدراسية، ومشاركة المتعلمين في بناء التعلمات ، ومن شروط هذه الممارسة عدم اكتظاظ الأقسام ومحاربة الغياب غير المبرر.
– القيام بتعبئة الرأي العام الوطني، على غرار الحملات التي يتم تنظيمها للوقاية من حوادث السير ومرض السيدا وغيرها. وذلك بوضع برامج تستهدف كل المتدخلين، من أولياء التلاميذ ومتعلمين ومدرسين وسلطات ومنتخبين. وأن تستعمل كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والأنترنيت والأسواق في المناطق القروية، وأن تستهدف تثمين القيم التي تسعى المنظومة إلى بنائها، وفي نفس الوقت نبذ السلوكات الهدامة، وتبيان سلبيتها على مرتكبيها وعلى المجتمع كله.
وينبغي على كل مؤسسة تعليمية أن تضع ضمن مشروعها التربوي برنامجا خاصا بها وتعتبره مدخلا لكل الأنشطة الأخرى، و كذلك تنظيم حملة لتعبئة التلاميذ وأوليائهم حول القيم النبيلة وأن تعمل على تقديم نماذج من قدماء تلاميذ المؤسسة الذين غيروا مواقعهم السوسيو- اقتصادية، وهم الآن يتبوأون مكانة مشرفة بمجتمعهم أو خارج الوطن. وذلك بفضل تشبثهم بتلك القيم.
– إلغاء تدخل الخريطة المدرسية في الانتقال ، و اعتماد العتبة المعيارية هي المعدل كمحدد أساس للانتقال إلى المستوى الموالي، و مراعاة مدى التحكم في التعلمات الأساس.
– اعتماد التقويم التكويني الذي يهدف إلى حصول المدرس على بيانات ومؤشرات تتعلق بمدى بلوغ الأهداف المتوقع تحقيقها عوض المراقبة المستمرة .
-اعتماد التقويم التشخيصي في بداية السنة الدراسية ودعم غير المتحكمين في التعلمات الأساس على إثر نتائج هذا التشخيص .
– تحسين الوضعية المعنوية و المادية لرجال و نساء التعليم .
– تجهيز المؤسسات التعليمية: لا يمكن أن ننتظر من مؤسسات تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية والمادية إنجاز مشاريعها بالشكل المطلوب، فكل إصلاح لا يمكنه تجاهل هذا الأمر.
وينبغي أيضا استكمال مشروع إدراج التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل في تعليم المواد الدراسية .
– الإسراع في إنشاء المدارس الجماعاتية وتجهيزها بالشكل المطلوب، وتوسيع الداخليات الموجودة، وبناء أخرى لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المتعلمين. وتوسيع المطاعم المدرسية الموجودة، وبناء أخرى في كل المناطق التي تعرف هشاشة في الوضع السوسيو-اقتصادي.
– بناء فضاءات محروسة ومؤطرة بشكل جيد لإيواء التلاميذ أثناء إنجاز الأنشطة الموازية .
هذه بعض الأفكار نبسطها في ظل النقاش المجتمعي الدائر حاليا حول الإصلاح الملح للمنظومة التربوية والتي يؤطرها حاليا المجلس الأعلى للتربية و التكوين .