ملفات ومقالات
النازية الألمانية
كتبهاد. كمال إبراهيم محمد شحادة ، في 13 آذار 2008 الساعة: 20:35 م
النازية الألمانية
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية – فلسطين
كلمة جرماني ( Germain ) إشتقت من كلمتين سلتيتين ( جاير Gair ) وتعني جار ، و( مان Man ) وتعني رجل . وبهذا أصبحت رجل جار كناية عن القرب بين الناس . وقيل إن ” بلد الألمان ” من كلمة ( Alamans ) اشتق من اسم ( Alle Manner ) الذي يعني جميع الناس لأن الألمان لم يكونوا يشكلون شعبا واحدا كالتوتونيين أو الإروليين من القبائل التي سكنت ضفاف نهر الألب ثم هاجرت باتجاه الغرب إبان القرن الثالث بعد الميلاد . على أي حال ، دلت لفظة ألمانيا على البلدان التي كانت تتحدث باللغة الألمانية [1] . وتعني كلمة الجرماني ( German ) الشقيق من نفس الأبوين ، كناية عن الاخوة والمحبة والالتقاء في كل شئ . وتبلغ مساحة ألمانيا 755 ر356 كم2 ، تنقسم إلى 16 منطقة . بلغ عدد السكان اكثر من 82 مليون عام 2000 . وعاصمة البلاد هي مدينة برلين ، واللغة الرسمية هي اللغة الألمانية ، والعملة المتداولة كانت ( المارك ) الألماني ثم اليورو الأوروبي منذ مطلع عام 2002 .
مفهوم النازية
كلمة نازي ( Nazi ) هي لفظة تختصر الحروف الأولى للكلمتين اللتين تعنيان ( الوطني الاشتراكي ) بالألمانية . وهي حركة سياسية ذات أيديولوجية شمولية ، والبعض يقول إن النازية عبارة عن ” الحزب الوطني الاشتراكي ” [2] . ظهرت النازية بصورة جلية ، في العقد الثاني من القرن العشرين في ألمانيا على يد ادولف هتلر الذي ولد في قرية ” براونو ” النمساوية، لأب موظف في الجمارك النمساوية ، وأم بوهيمية ، تتكلم الألمانية بصعوبة ، وعاش في الفترة الواقعة بين ( 20 / 4 / 1889– 30 / 4 / 1945 ) .
نادت النازية بالقومية الجرمانية ( Germanism ) والتعصب لألمانيا والعادات والقيم الألمانية وتفوق العنصر الآري وكرست ديكتاتورية الفرد ” الفوهرر ” أو ” الدكتاتور الأعلى ” أو قائد الشعب الألماني ، عندما جمع بين الرئاسة والمستشارية في ألمانيا في 4 آب عام 1934 . من الشعارات الكلامية لإنعاش الجرمانية المتفوقة التي كان يرددها النازيون : رايخ واحد ، وشعب واحد ، وفوهرر واحد . وسخرت النازية التعليم والفن والأفلام لنشر أفكارها بين الشعب ، ولعبت وزارة الدعاية الألمانية تحت إمرة جوزيف جوبلز ( 1897 – 1945 ) دورا كبيرا في بث الأفكار النازية الاستعلائية في البلاد ، حيث كرست هذه الوزارة دعاية مستمرة للغرور والفخر والتباهي بالأمة الألمانية ” العظيمة ” . وقد أحيط هتلر ب ” فرقة الانتحار ” ، أو” فرقة الهجوم ” ، واتخذ نشيد الرايخ ” ألمانيا فوق الجميع ” رمزا للنازية . وكان كتاب هتلر ” كفاحي ” بمثابة إنجيل النازية هذا الكتاب الذي ألفه هتلر أثناء اعتقاله- لمدة تسعة شهور – في ” لاندزبرغ ” في مدينة ميونخ ، بين عامي 1924 – 1925 بعد إعلانه العصيان على الجمهورية الألمانية التي تشكلت بعد معاهدة فرساي ، 1919 م ، واعتبرت مهينة لألمانيا . وكتاب ” كفاحي ” لهتلر، اعتبره النازيون كتابا مقدسا ، وهو الكتاب الذي جعل هتلر المؤلف الأكثر دخلا في ألمانيا ، حيث بيع منه عام 1945 نحو عشرة آلاف نسخة ، وترجم إلى ست عشرة لغة [3]. وكان النازيون يلبسون القمصان البنية حيث لقبوا بهذا الاسم ( ذوي القمصان البنية ) .
مبادئ النازية
وضعت الحركة النازية مبادئ حزب العمال الألماني الوطني الاشتراكي ( النازي ) ، في بضع وعشرين نقطة شاملة ، وفيما يلي أهم النقاط المتعلقة بالمبادئ النازية[4] :
1) اتحاد جميع الألمان لتكوين ( ألمانيا الكبرى) على مبدأ حق تقرير المصير .
2) طلب الأرض والأقطار لتزويد الشعب الألماني بالغذاء ، وإسكان ما يزيد منهم عن ألمانيا .
3) كل عضو من أبناء الدولة ، يجب أن يكون عضوا في الأمة ، إذ يمتاز هؤلاء بالدم الألماني ، بغض النظر عن الدين الذي يؤمنون به ، ولا يجوز لليهودي أن يكون عضوا في الأمة الألمانية .
4) يعيش الأفراد ممن ليسوا من أبناء الدولة ، كضيوف فقط في ألمانيا .
5) واجب الدولة الأول هو زيادة رفاهية جميع الشعب . وفي حالة عدم التمكن من تغذية جميع ابناء الشعب ، فينبغي استثناء الأجانب ، ومنع غير الألمان من دخول ألمانيا ، وكافة من ليسوا آريين ، ودخلوا ألمانيا منذ آب 1914 ينبغي إبعادهم .
6) طلب الحرب القانونية ضد الأكاذيب السياسية ونشرها في الصحف ، وطلب صحافة وطنية مطهرة من الأجانب ، تخضع لرقابة الآداب والفنون ، لكي تتميز الحياة الثقافية الألمانية العامة .
لقد اتخذ الحزب النازي الألماني شعارا خاصا به كرمز وطني للاشتراكية الألمانية التي نادى بها ، وهذا الرمز ( السواس تيكا – باللغة الألمانية ) عبارة عن رمز على شكل صليب معقوف تمتد نهايات الأذرع فيه إلى زوايا من جهة اليمين ، وهي علاقة قديمة انتقاها النازيون للدلالة على القوة الحاكمة والجبروت . أدى قيام الحركة النازية بتسلم زمام الحكم في ألمانيا في 30 كانون الثاني 1933 بزعامة ادولف هتلر ( مستشار ألمانيا ) وهو أعلى منصب تنفيذي[5] ، اثر حصول حزب العمال الألماني الوطني الاشتراكي ( النازي ) في انتخابات البرلمان ( الرايخشتاغ ) على 230 مقعدا مقابل 133 مقعدا للحزب الديموقراطي الاشتراكي و97 لحزب الكاثوليك المعتدل في تموز 1932 ، أدى بصورة ظاهرة إلى دعم النزعة العنصرية في أوروبا وخاصة في ألمانيا . وفي عام 1934 ، ذبح هتلر منافسيه ورفاقه السياسيين السابقين في ليلة عرفت ب ” ليلة السكاكين الطويلة ” . وكان هتلر في خطبه أمام الشعب في الساحات العامة يردد عبارات الانتقام من الدول والشعوب التي أهانت الشعب الألماني بقوله : ” الدول التي صفعتنا سوف نصفعها ، والتي أذلتنا سوف نذلها ، والدول التي اضطهدتنا سوف نضطهدها ” [6]. وتبنت النازية فكرة الاستعلاء والتفوق الآري على جميع البشر قاطبة ، ورأت : ” أن الجنس الآري وحده أهل دون سواه لإنشاء الحضارة ، ورأت أن الحضارة العظيمة لا تفنى إلا لأن الجنس الآري المنشئ لها يفنى بامتزاج الجنس وتسممه ” [7]. واليهود حسب النظرة الهتلرية هم الشر الجذري بتشبيههم بالشيطان ، الصورة الجسدية لليهودي ، ويؤكد هتلر أن أعداء النازية اثنان: ” لقد فتحت فيانا( في النمسا ) عيني على خطرين ، كنت أجهل مدى تآمرهما على كيان الشعب الألماني ، وهذان الخطران هما الماركسية واليهودية ” [8]. وفي التطبيق العملي بعدئذ عمد هتلر إلى محاولة انتزاع الشرق من الماركسيين واليهود وهاجم فرنسا المتعاطفة مع اليهود والميالة للزنوج في إطار السياسة الشعبية وتطوير التوسع الإقليمي ، والإخلاء السكاني [9] .
على العموم ، إن النظرية النازية على ارض الواقع ، غالت في تمجيد الجنس الآري ، وتفوقه على جميع الأجناس البشرية حيث يرى الجرمانيون انهم سادة الجنس البشري ، وهم أعلى مرتبة فيه ، يجب أن يتولوا دائما توجيهه . وقد وضعت لائحة للعناصر البشرية كان العنصر الآري في ألمانيا على قمتها وهم ” الأقوياء ” ، يليهم النورد ( الدانماركيين والنرويجيين والسويديين ) والانجلوساكسون . وجاء في نهاية اللائحة السلاف والعرب واليهود والزنوج . وبذل الألمان جهدهم لإثبات أن الآري هو أبو الأجناس البشرية جميعها حمل مشعل الحضارة منذ الأزل ، ونقلها إلى أمريكا ، وهناك من قال أن عقيدة المسيح يهودية ولكنه من سلالة آرية والأصل أهم من العقيدة [10] .
على أي حال ، إن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ، أرجعت – حسب وجهة نظر النازيين – إلى كون اليهود هم الذين تسببوا في ذلك . إذ أكد دعاة النازية أن حضارة العالم في القرن العشرين ، هي حضارة منحلة بلا شرف ، بسبب تولي اليهود الصدارة في اكثر من مجال حيوي في العالم ، في عدة حكومات من حكومات الدول الكبرى ، وان السبب الرئيسي في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى هو تولي اليهود المراكز الحساسة في الدولة [11] .
ولجأت الحكومة النازية إلى تطبيق المبادئ العنصرية حرفيا على ارض الواقع في ألمانيا طيلة فترة حكمها ، وما قاله هتلر نفذه وفعله على ارض الواقع بعد استيلائه على السلطة بعد ثماني سنوات من تأليف كتابه كفاحي . فاعتقلت السلطات النازية وسجنت المعارضين من الشيوعيين والديموقراطيين الاشتراكيين وركزت هجومها على اليهود لاستئصالهم من الوظائف والأعمال . ولهذا عمدوا إلى طرد الآلاف من العلماء والأساتذة الموسيقيين والمحامين والقضاة والأطباء والممرضات اليهود . وقاطعوا أصحاب الدكاكين وطردوا العمال اليهود من المصانع ، وحرقوا الكتب التي لا يوافقون عليها بشكل علني ، ومنعوا كل صحيفة من الصدور إذا كانت تعارض أو تنتقد النازية [12] .
كما سعت النازية الألمانية – التي نادت بالإمبراطورية أو الدولة العرقية – إلى سياسة ( الاكتفاء الذاتي ) وتطهير البلاد في سني حكمها من العناصر التي أسمتها بالعناصر الوضيعة من خلال قوانين نورمبرغ في أيلول عام 1935 ، إذ عمدت إلى تطهير ألمانيا من العناصر المتخلفة أو المنحطة ، خاصة طائفة اليهود حيث صدرت قوانين نورمبرغ القاضية بطرد كافة الموظفين اليهود من مناصب الدولة العامة ، ومنع فئات المحامين والصحفيين والأطباء والصيادلة والناشرين من اليهود ، من مزاولة مهنهم ، وتحريم فكرة وراثة الأرض عليهم [13] . وردا على الأعمال الهتلرية النازية الإرهابية ، وما سمي بسوء معاملة اليهود ، واضطهادهم على أساس عنصري ، وإحلال الألمان مكانهم ، اهتزت أوروبا هزة قوية ، وخاصة أن من بين اليهود المضطهدين أطباء وعلماء ومحامين وموسيقيين وكتاب اعتبروا ألمانيا وطنهم ، وكذلك اعتبرهم غيرهم ، وقد رحب العالم بهم إلا أن النازيين أخذوا يتصيدونهم مما أثار الرأي العام . فلم يسمحوا لهم بمغادرة ألمانيا ، مما أدى إلى تجويع اليهود ، وقد اثر الرأي العام العالمي على النازيين وجعلهم يخففون من حدتهم ، الا أن سياستهم الاضطهادية بقيت كما هي [14] .
أما اليهودية العالمية ، ذات النفوذ القوي في الاقتصاد والمال والإعلام ، فقد اتخذت إجراءات مقاطعة شاملة ضد ألمانيا ، فقاطعت البضائع الألمانية ، ووسائل المواصلات وامتنعت عن كل ما يساهم في تطوير الحياة في ألمانيا . وعلى الجانب الآخر ، فان النازية طبقت طريقة ” القتل الجماعي ” على الملايين من الطوائف غير الجرمانية ومن بين هذه الطوائف اليهود ، بوضع الآلاف من غير الألمان في أفران الغاز ، واعتقال الآلاف الآخرين في معسكرات نازية منها معتقل اوشفيتش البولندي [15] . أما عن الاهتمام بالصفوة في التناسل والتكاثر من أبناء العرق الواحد ، وأهمية الحفاظ على العرق الجرماني ، يقول هتلر :
من هنا وجوب التدخل لمصلحة الصفوة … وإذا كانت الطبيعة تأبى على الضعفاء والأقوياء أن يتزاوجوا ، فإنها تحارب دون هوادة اختلاط عرق متفوق بعرق وضيع ، لأن هذا الاختلاط يعود بالبشرية القهقرى … إن امتزاج دم الآري بدم شعوب وضيعة قد أدى دائما إلى خراب الشعب ذي الرسالة التمدينية … فالجرماني الذي حافظ على دمه نقيا أضحى سيد القارة الأميركية ، وسيظل هذا شأنه ما دام محافظا على طابعه الخاص. ومجمل القول إن كل اختلاط بين الأجناس يفضي إلى : تدني مستوى الجنس المتفوق ، وتأخر مادي وروحي يفضي في النهاية إلى التفسخ والانحلال [16] .
ويكشف هتلر رأيه بكل وضوح وصراحة حيال الأولوية في البقاء للاصلح ، ويربط ذلك بالنضال المستمر ، إذ يقول : ” وإن الحفاظ على حضارة ما يفترض الحفاظ بالدرجة الأولى على الإنسان الذي أوجدها ، وهذا المبدأ مرتبط بحق الأصلح والأقوى في التفوق والسيادة ، على من يريد الحياة أن يكافح إذن ، فليس في عالمنا هذا مكان لمن يتهرب من النضال ” [17] .
وتذهب النازية إلى حد الادعاء أن الإنسان الآري هو الأقوى ، وهو صانع الحضارة البشرية ، وتدعو إلى الحفاظ على دم العرق الجرماني نقيا متفوقا طاهرا ، مؤكدة أن نتاج الحضارة البشرية من الفن والعلم والتكنيك هو ثمرة النشاط الآري الخلاق بدعوى أن الآري لا يزال المشعل الإلهي الذي يضيء السبل أمام البشر . فشرارة العبقرية الإلهية انبعثت دائما من جبينه المشرق ، فإذا توارى الآري يغشى البسيطة الظلام السرمدي ، وتتلاشى الحضارة البشرية في عدة قرون ويستحيل العالم قفرا[18] . وتقول المقولة الآرية التي تدعو إلى التفوق العنصري الآري على الأجناس البشرية إن غريزة حب البقاء عند الآري تشكل أنبل أشكالها عند تضحية الآري بذاته في سبيل الجماعة [19] .
على أي حال ، إن ادولف هتلر أطلق كلمة الرايخ الثالث على الحكم الاشتراكي الوطني الألماني ( النازي ) الذي استمر لفترة ما بين 1933 – 1945 ، حيث عنى بذلك الإمبراطورية النازية الثالثة ، وكانت أول إمبراطورية ألمانية أو الرايخ الأول هو رايخ أو إمبراطورية روما المقدسة ( 962 – 1806 ) بينما امتد الرايخ الثاني أو الإمبراطورية الألمانية الثانية بين الأعوام ( 1871 – 1918 ) [20] . وقد اتبع هتلر سياسة التمييز ضد شعوب العالم كافة ومن بينهم الأوروبيين والعرب واليهود والغجر والزنوج . فمثلا ، رفض هتلر مصافحة الرياضي الأسود ( جيسي اوينز 1913 – 1981 ) بعد فوزه بأربع ميداليات في الألعاب الأولمبية التي نظمت في مدينة برلين الألمانية عام 1936 ، وكذلك لم يسمح بعزف موسيقى الجاز في ألمانيا النازية لاعتقاده العام أنها موسيقى مدمرة خاصة بالزنوج .
النازية واليهود
يقول زعيم النازية الألمانية ادولف هتلر ، في كتابه كفاحي ، عن نظرته لليهود الذين عاشوا في أوروبا وخاصة في ألمانيا :
كنت اعتبر اليهود مواطنين لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، ولكن اختلاطي بأعداء السامية من مفكرين وساسة جعلني أشد تحفظا في الحكم على أعداء اليهود ، وما لبثت أن وجدتني في عداد المعنيين بالمسألة اليهودية بعد أن لمست بنفسي تكتل الإسرائيليين وتجمعهم في حي واحد من أحياء فيانا ، ومحافظتهم الشديدة على تقاليدهم وعاداتهم وطقوسهم . وقد زاد في اهتمامي بمسألتهم ظهور الحركة الصهيونية وانقسام يهود فيانا إلى فئتين : فئة تحبذ الصهيونية وتدعو لها ، وفئة تشجبها … هذا لم يؤثر في التضامن القائم بينهم … أن انقسامهم مصطنع وأنهم يلعبون لعبتهم ، لا في النمسا فحسب بل في العالم كله . وهي لعبة سداها ولحمتها الكذب والرياء مما يتنافى والطهارة الخلقية [21] .
ويضيف ادولف هتلر عن نظرته لليهود :
ما من فعل مغاير للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود فيها يد ، واستطعت أن أقيس مدى تأثير ” الشعب المختار ” في تسميم أفكار الشعب وتخديره وشل حيويته ، بتتبعي نشاطه في الصحف وفي ميادين الفنون والآداب والتمثيل . فقد امتد الأخطبوط اليهودي إلى هذه الميادين جميعا وفرض سيطرته عليها ورسمها بطابعه … هذا التغلغل في كل ميدان من ميادين النشاط التوجيهي يشكل طاعونا خلقيا أدهى من الطاعون الأسود وأشد فتكا [22] .
ولتحويل اليهود إلى أناس غير شرعيين في ألمانيا ، حرمت النازية حوالي نصف اليهود من الوظائف العامة والخاصة والخدمة في الحكومة وحظر عليهم العمل في الصحافة والإذاعة والتعليم والمسرح والسينما والزراعة واخرجوا من الأسواق المالية ( البورصة ) عامي 1933 و1934 . وفي خطوات لاحقة وتنفيذا لكتاب هتلر ” كفاحي ” ، فقد صنف اليهود حسب قوانين نورمبرغ الصادرة في 15 أيلول 1935 ، إلى درجة رعايا لا مواطنين ، وفرض عليهم ارتداء ( شارات صفراء ) وكانت الهوية أو البطاقة الشخصية يوضع على غلافها الأول الحرف العبري ( J ) للتدليل على انهم يهود ، لتمييزهم عن غيرهم من السكان . وبهذا حرم اليهود من الجنسية الألمانية ، ومنع التزاوج بين اليهود والآريين وحظر على اليهود استخدام فتيات آريات دون سن الخامسة والثلاثين في بيوتهم ، وتتالت القوانين النازية لاستكمال قوانين نورمبرغ فوصل عددها إلى ثلاثة عشر قانونا . وبهذه الإجراءات العنصرية فان اليهود لم يتمكنوا من شراء الأطعمة والاشربة من الحوانيت الألمانية ، كشراء الخبز واللحم والألبان ، وكذلك منع اليهود من الإقامة في الفنادق الألمانية ، وكان يتم مشاهدة لافتات في الشوارع وعلى مداخل الأحياء والبقالات معنونة بعبارات : يمنع دخول اليهود ، ولافتات أخرى كتب عليها : يمنع على اليهود منعا باتا دخول هذه المدينة ، إذا دخل اليهود هذا المكان فعليهم أن يتحملوا مسؤولية هذه المجازفة [23] . وقد عملت النازية الألمانية ، كما رأينا ، على استبعاد اليهود من الحياة الألمانية العامة بحرمانهم العمل والشراء والبيع والكثير من الميادين العامة للامة الألمانية ، للأسباب التي أوردها هتلر في كتابه ” كفاحي ” ، ويدعي اليهود أن هتلر قتل منهم نحو ستة ملايين يهودي ، وهي عبارة عن دعاية غير مؤكدة ، صحيح انه قتل الآلاف منهم ، وقتل الآلاف بل الملايين من الشعوب الأوروبية أيضا ،( إذ قتل نحو خمسين مليون شخص في الحرب العالمية الثانية من جميع الدول المتحاربة ) الا أن عدد القتلى اليهود لم يبلغ العدد الضخم الذي يردده اليهود في كافة وسائل الإعلام اليهودية والعالمية التي يسيطرون عليها قديما وحديثا وفي الوقت المعاصر . فقد نشرت جريدة ( سبوتلايت ) الأمريكية تحت عنوان ( الدعاية اليهودية إلى أين تقودنا ولماذا تكذب علينا ) إن عملية الترويج اليهودية والصهيونية لمقتل الملايين على أيدي النازيين في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية غير صحيحة ، وان هذه الدعاية المغرضة بثها اليهود لجني أهداف سياسية واقتصادية وتسريع هجرة اليهود إلى فلسطين ، وأمريكا ، والحصول على تعويضات مالية من ألمانيا لإسرائيل والمناداة باللاسامية ضد اليهود بصورة مستمرة . وأشارت تلك الصحيفة الأمريكية إلى أن عددا من الضحايا اليهود المنشورة أسمائهم في جرائم النازية ضد اليهود ما زالوا أحياء ، منهم المسز ( سيمون فيل ) رئيسة البرلمان الأوروبي [24] .
إجمالا ، يمكن القول إن النازية الألمانية استطاعت أن تعيد حسابات معاهدة فرساي المذلة لها ، فألغى هتلر معاهدة فرساي في 16 آذار 1935 ، وأعلن إطلاق حرية بلاده في التسلح وصعدت ألمانيا النازية إلى مرتبة الدولة الأوروبية الأولى بعد إعادة التجنيد العسكري الإجباري للشباب الألماني ، وزحف الجيش النازي على النمسا وضمت للرايخ الثالث ( الرايخ باللغة الألمانية تعني الإمبراطورية ) بصورة رسمية في 15آذار 1938 . وقال هتلر عن عملية ضم النمسا : ” يجب أن تعود النمسا إلى الوطن الألماني الكبير ، وذلك ليس بسبب بعض الأسباب الاقتصادية ، لا .. لا ، إن هذا الاندماج يجب أن يتم على كل حال ، ولو كان من الوجهة الاقتصادية غير هام ، بل وكان ضارا .. إن الدم الواحد هو للإمبراطورية الواحدة ” [25] .
وضمت منطقة السوديت الألمانية إلى الرايخ الألماني في اتفاقية ميونخ في أيلول 1938 بين ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا ومزقت دولة تشيكوسلوفاكيا ، وعمل على إعادة تقسيم قارة أوروبا وفق تشكيلة جغرافية جديدة ، حسبما ترتأيه القوة النازية الصاعدة .
وكانت عملية غزو بولونيا ( بولندا ) في أيلول عام 1938 بأسلوب الضربات الخاطفة ، حتى لا يفيق العدو ولا ينتبه لما سيحل به ، بداية لنشوب الحرب العالمية الثانية . كما تعد عملية الغزو النازي لروسيا هي التي قصمت الظهر الألماني ، وبعد شن الحملات الحربية بالتعاون مع دول المحور ( إيطاليا الفاشية واليابان إضافة إلى ألمانيا ) على يوغوسلافيا وفرنسا ، واستعادة الحلفاء الغربيين سيطرتهم على ألمانيا ألقى الجيش النازي سلاحه في 29 نيسان 1945 . وحاصرت القوات الروسية مخبأ ادولف هتلر بدار المستشارية ودمرتها ، فكتب هتلر وصيته الأخيرة حيث جاء فيها إن قوات النازية ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن مدينة برلين عاصمة ألمانيا ولا تستطيع أن تصد الهجوم من العدو عن هذا المكان ، وبما أن كل مقاومة أصبحت لا جدوى منها ، فإنه سوف يبقى ليموت في مقره ، ولن يسمح لنفسه بأن يسقط حيا في أيدي الأعداء ، أولئك الأعداء الذين يبحثون عن مظاهر الدعاية التي يقوم بها اليهود . ولذلك قرر البقاء في برلين ، واختار الموت بمحض إرادته في اللحظة التي أسفر فيها وجوده كزعيم لا يمكن المحافظة عليه . وفي 30 نيسان 1945 أطلق الزعيم النازي ادولف هتلر النار على فمه من مسدسه الخاص ، وتناولت زوجته ( ايفا براون ) السم فماتت ، فنقلهما ” الحرس الأسود ” حرس هتلر الخاص ، وحفروا لهما حفرة وسكبوا عليهما النفط واحرقوهما في الحديقة القريبة من البناء وتحولت الجثتين إلى رماد . وكل ذلك حتى لا يقع هتلر أسيرا في أيدي الأعداء غير الجرمانيين ، فكانت عنصريته التي نادى بها تموج في دمه حتى آخر رمق من حياته وعند مماته أيضا . وبهذا ، فان هتلر حكم ألمانيا لمدة 12 عاما وأربعة اشهر ، ولم يستمر ( الرايخ الثالث ) الذي بناه هتلر – ذو الشهرة العالمية – وامتد أثره التسلطي العنصري في العالم من أقصاه إلى أقصاه ، زاعما التفوق والسمو فوق كافة الأجناس البشرية على وجه الكرة الأرضية ، إلى ألف سنة كما كان ينادي : ” رايخ الألف سنة ” [26] .وطويت صفحة من صفحات الأنظمة العنصرية ودعاتها في قارة أوروبا خاصة وفي العالم عامة 0 ولم تتحقق طموحات هتلر في أن يجعل الدولة الشعبية ذات الجذور التاريخية : ألمانيا سيدة العالم لمدة ألف عام ، فانعقف الصليب المعقوف عقفة كبرى إلى الأبد ، فكانت الفاجعة للشعب الألماني وللشعوب الأوروبية التي ابتليت بهذا المرض أو الوباء الاجتماعي العنصري الفتاك ، الذي فتك بالدعاة وبمن حولهم ودمر ملايين البشر دونما فائدة أو سبب حقيقي سوى التعصب للعنصرية .
ومهما طال الزمن الذي تتركز وتتجذر فيه العنصرية أو التفرقة الاجتماعية فإنها ستسقط لا محالة ، إن عاجلا أو آجلا ، كأوراق الشجر في فصل الخريف . وقد بدأ التصدع يخر في جسم التفرقة العنصرية في كافة أنحاء العالم بفعل عوامل محلية وإقليمية ودولية ، لأنها تقوم على عدم المساواة والاستعباد والحط من الكرامة الإنسانية وانتقاص الحقوق الإنسانية الأساسية ، ولا تعير العدالة الاجتماعية أهمية تذكر بين الأجناس والعناصر المختلفة باختلاف الوانهم ولغاتهم وأصولهم ومنابتهم الوطنية والقومية . فالتمييز يحمل في طياته بذور الاندثار النهائية منذ قيامه ، فيدمر القوة التي تنادي بنظرية التفوق أو ” النقاء العرقي ” ، ويسبب مآس كبيرة لأفراد الشعب أو الجماعة ماديا ومعنويا ، وذلك بعد أن يقضي سنوات أو بعض العقود في نشوة العنصرية الظالمة التي تقوم على استعباد الآخرين والحط من كرامتهم .
أما المساواة بين الناس وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية فانهما يبقيان في الأرض فترة زمنية أطول ، وقد دلت قرائن المساواة والعدالة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات القديمة والمعاصرة ، على مر التاريخ الإنساني ، أنها الأكثر بقاء وديمومة . أما العنصرية فإنها الأكثر دموية وتعصبا للذات الفردية أو الجماعية أو المجتمعية ، وبالتالي تحمل بذور فنائها بفنائها ذاتيا . والمساواة الإنسانية هي الحل الأمثل لاندماج الجماعات فيما بينها دون تمييز أو مفاضلة عنصرية ، ليعيش الجميع في حياة حرة كريمة ، تتساوى فيها الحقوق والواجبات عند الجميع .
فالنازية مثلا ، عاشت فترة تزيد عن خمسة وعشرين سنة بقليل ، ثم تلاشت واختفت وجرت خلفها ويلات وحروب بدعوى السيطرة للعنصر المتفوق حامل لواء الحضارة والتقدم في النطاق العالمي أو الإقليمي أو المحلي المحدود . فقد تبنت النازية نظرية المجال الحيوي ، التي تتيح المجال أمام العنصر الجرماني للتحكم بالشعوب الأخرى ، بأي ثمن كان ، ومهما كانت النتائج . وتجدر الإشارة إلى أن بذور العنصرية ، تبقى موجودة بين ظهراني الشعب أو الجماعة أو الأمة التي تدعي التفوق والاستعلاء ، الا أنها تظهر وتختفي بين الحين والآخر ، حسب الظروف والأوضاع المؤاتية ، وبروز رموز قومية من الرجال أو القادة الذين ينادون بأحياء الأمجاد القديمة . عن ذلك يقول ( ليريس ) : ” لقد ظن أن العنصرية قد ماتت بسقوط هتلر ، ولكنها كانت نظرة ضيقة ، غاب عن ذهن أصحابها أن فكرة التفوق العنصري متأصلة في غالبية البيض ، حتى عند الذين يعتبرون أنفسهم أقل عنصرية ” [27] .
وأخيرا ، فان الدعاية النازية الألمانية تظهر وتختفي في ألمانيا حتى أيامنا هذه ولكن بصورة خافتة عن النسخة الأصلية الأولى التي عمرت في النصف الأول من القرن الماضي .
[1] أطلس العالم ، جمهورية ألمانيا الموحدة ( بيروت : مكتبة الصغار ، 1996 ) ، ص 191 .
[2] جواهر لال نهرو ، لمحات من تاريخ العالم ، ترجمة : لجنة من الأساتذة الجامعيين ( بيروت : منشورات دار الآفاق الجديدة ، 1983 ) ، ص 473 .
[3] فرانسوا شاتليه ، واليفيه دوهاميل ، وايفلين بيزيه ، معجم المؤلفات السياسية ، ترجمة : محمد عرب صاصيلا ( بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ، 1997 ) ، ص 1135 .
[4] أحمد قدامة ، رجال السياسة في الشرق والغرب ( دمشق : المطبعة الهاشمية ، 1939 ) ، ص 36 – 39 .
[5] أدولف هتلر ، كفاحي ، ترجمة : لويس الحاج ، ط . 2 ( بيروت : دار صادر للطباعة والنشر ، 1995 ) ، ص 253 .
[6] تاريخ العالم ، القائد العنصري ، أدولف هتلر ، قرص حاسوب ثابت .
[7] عمر الخطيب ، نظرات إسلامية ، مرجع سابق ، ص 80 .
[8] أدولف هتلر ، كفاحي ، مرجع سابق ، ص 12 .
[9] فرانسوا شاتليه وآخرون ، مرجع سابق ، ص 1140 .
[10] عبد العزيز سليمان نوار ، وعبد المجيد نعنعي ، التاريخ المعاصر – أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية ( بيروت : دار النهضة العربية ، 1973 ) ، ص 564 .
[11] المرجع السابق ، ص 565 .
[12] جواهر لال نهرو ، لمحات من تاريخ العالم ، مرجع سابق ، ص 478 .
[13] عبد العزيز سليمان وعبد المجيد نعنعي ، مرجع سابق ، ص 573 .
[14] جواهر لال نهرو ، لمحات من تاريخ العالم ، ص 481 .
[15] لويس ل. شنايدر ، العالم في القرن العشرين،ترجمة : سعيد السامرائي ( بيروت : منشورات دار الآفاق الجديدة ) ص 128
[16] أدولف هتلر ، كفاحي ، ص 161 – 162 .
[17] المرجع السابق ، ص 163 .
[1] المرجع السابق ، ص 163 – 164 .
[18] المرجع السابق ، ص 169 .
[19] وليام شيرر ، تاريخ ألمانيا الهتلرية ، ترجمة : خيري حماد ( بغداد : منشورات مكتبة المثنى ، 1962 ) ، ص 180 .
[20] أدولف هتلر ، المرجع السابق ، ص 19 .
[21] المرجع السابق ، ص 19 – 20 .
[22] وليم شيرر ، تاريخ ألمانيا الهتلرية ، مرجع سابق ، ص 427 – 428 .
231] عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ، مكايد يهودية عبر التاريخ ( دمشق : دار القلم ، 1992 ) ، 394 – 396 .
[24] أحمد قدامه ، رجال السياسة في الشرق والغرب ، مرجع سابق ، ص 56 .
[25] وليام شيرر ، تاريخ ألمانيا الهتلرية ، مرجع سابق ، ص 27 .