وجهة نظر

بين التعليم العمومي والتعليم الخاص بالمغرب، أية مفارقة؟

اليوم سنبحث عن مفارقة عجيبة تكسر مجال تكافؤ الفرص ومقاربة الإنصاف لزوما، وترمي به إلى خانة مشجب الانتظارات المستحيلة التحقيق بمغرب الفوارق الإجتماعية. اليوم سنضع ميزان عدل تكافؤ الفرص لقياس توازي الكفتين بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي. هي ذي المقاربة التقابلية التي يمكن تحريكها بين النموذجين العمومي والخصوصي . هي أصلا مقاربة تقليدية التفكير تميل إلى الملاحظة واستنباط خصائص كل فئة، مع صلاحية إبداء الرأي والتحكم في المقاصد. مماثلة هذه المقاربة التقايسية تم استحضارها من متابعة أشغال ملتقى رابطة التعليم الخاص بالمغرب بقاعة جلسات مديرية الأوقاف والشؤون الإسلامية بمكناس . 
أولى الملاحظات جمالية القاعة، والحضورالمتوج بتوسط وزير الشغل والإدماج المهني السيد محمد يتيم منصة الخطابة. ثاني الملاحظات ستكون من المنصة نفسها حيث مرت بها مجموعة من المداخلات المشفرة والتي تحمل رؤى متباينة للمدرسة الخصوصية، تحمل هم من يبحث عن التحفيزات والتشجيعات والمزايا المزيدة من الدولة . وبين من يبحث عن مراجعة و تحيين الإطار القانوني والتنظيمي المنظم للتعليم الخاص.  وبين من يسعى إلى تعزيز آليات وتدابير مراقبة وتأطير مؤسسات التعليم الخاص ووضع نظام خاص للإفتحاص المنتظم (البيداغوجي والتربوي)، لمؤسسات التعليم الخاص . لكن الملاحظة الثالثة ولها سلطة النص القانوني، هي أن حضور المنصة اتفق في الأخير بالإجماع على أن المدرسة المغربية تشمل قطبين الأول عمومي والثاني خصوصي. 
وحين تحدث وزير الشغل والإدماج المهني السيد محمد يتيم عن “مول الشكارة” في إشارة إلى مالكي المؤسسات الخصوصية  وكررها لأكثر من مرة، سكتت القاعة، واشتم من القول تقريعة نقابية آتية. لكن الوزير بخبرته الاحتكاكية بالمنظومة قفز عن بعد سلبية التسمية والمصطلح العامي بحمولته الطبقية إلى مبدأ اعتبار التعليم الخصوصي رمزا للمقاولة المواطنة التي تستوجب الدعم والرعاية. 
الأسئلة التي تم تغييبها في الملتقى  بتمام إنتاج حلول لها أو بدائل، أو بتعبير آخر تم تغييب الأجوبة عنها بالبراءة الملموسة. هي أسئلة نعرض بعضا منها ونتوخى منها تحذيرا أوليا لمنعرجات الفهم السلبي لإجاباتها الموضعية.
  كيف يمكن أن نجعل من التعليم الخاص شريكا للتعليم العمومي في التعميم وتحقيق الإنصاف؟، كيف يمكن أن يشارك التعليم الخاص في توفير التربية والتكوين لأبناء الأسر المعوزة وذوي الإعاقة والأوضاع الخاصة؟،  كيف يمكن أن تجدد دفاتر التحملات حسب نوعية الاستثمار التربوي، و بناء على مواصفات المجال الجغرافي (المغرب العميق)؟،  كيف يمكن أن تلتزم مؤسسات التعليم الخصوصي بتوفير التكوين الأساسي والمستمر لأطرها التربوية والإدارية ؟
إنها الأسئلة الحارقة التي لا زالت عالقة الإجابة الصريحة في حافظة المشاريع المندمجة لتفعيل الرؤية الإستراتيجية. خاصة في مضمون المشروع السادس” تطوير وتنويع التعليم الخاص” ، المجال الأول ” الإنصاف وتكافؤ الفرص”.  إنها بعض العناصر والإشارات المشفرة التي لم يم تداولها في ورشات الملتقى بالمباشر، ولم يتم تناولها بالشكل الموازي للندوات ، وذلك بصياغة أجوبة قارة وتوصيات ملزمة للرابطة وترفع علنا للوزارة الوصية. إنها البحث عن الإجابات التي لها سحر فك كل شفرات التباين التقاطعي بين حوض التعليم العمومي وحقل الخصوصي، إنها الأجوبة المنتظرة لإضفاء صفة المقاولة المواطنة على نموذج التعليم الخاص. 
قد لا نختلف إذا ما اعتبرنا التعليم الخاص شريكا أساسيا للتعليم العمومي. قد لا نختلف إذا قلنا أن النواة الأولى للتعليم العصري المغربي نشأ من المدرسة الحرة. قد لا نختلف بتباين جودة الخدمات والمنتوج بين القطاعين (العام /الخاص). ولكن ممكن أن يكون لنا رأي مخالف في تمركز التعليم الخصوصي بالحواضر الأكثر جذبا للاستثمار في المنتوج المدرسي/ التلاميذي. لما نجزم القول في هذا المجال، لأن الأمر راجع إلى رؤية روح المقاولة البراغماتية / النفعية التي يتحكم فيها “مول الشكارة” كما جاء على لسان وزبر الشغل والإدماج المهني، لأن هناك ضوابط تدبيرية ومالية غير متناسقة بين المؤسسات الخصوصية بعينها. 
إنه أخيرا التضامن الذي استبعد أساسا من موقع التدشين والتأطير القانوني للمدارس الخصوصية، واستبعد كرها تكافؤ الفرص في ولوج المدرسة المغربية، لاسيما في المجال القروي. لأن جل استثمارات التعليم الخاص تتمركز في المدن ذات العوائد المادية العالية. فأين إذا،  دور التعليم الخاص كشريك في تعميم التعليم؟ ، أين هو في تحقيق مقاربة الإنصاف الشمولية في ولوج المدرسة؟ أين هو مقام تكافؤ الفرص كرافعة لتعميم التعليم، والمجموعات المدرسية الخاصة لا تضع في أولوياتها الاستثمارية العمل في جوانب المغرب الجغرافي العميق؟.
حقيقة أن التعليم الخاص هو مكون من مكونات المدرسة المغربية كما نصت عليه صراحة أدبيات وحافظة المشاريع المندمجة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. لذا من ضرورة المرحلة الإصلاحية التي تعرفها المنظومة التربوية  في أفق 2030 ، هي بعث خلخلة مدوية تخلق: 
– التزام التعليم والتكوين الخاص بمبادئ المرفق العمومي الذي يراعي المناصفة وتكافؤ الفرص.
– تجديد دفتر تحملات  المدارس الخاصة بضمان الجودة  وكسب رهان المدرسة المواطنة.
– التوافق حول أدوار المراقبة والتقييم، ومهام الترخيص لمؤسسات التعليم الخاص.
– إصدار القوانين المنظمة (الترخيص) ، وتفعيل أدوار الدولة تجاه التعليم الخاص من دعم ومساندة إعفائية من بعض الرسومات. 
– تطبيق رسوم التسجيل والدراسة والتأمين موحدة  بجميع مؤسسات التعليم الخاص، وتحدد سلفا باتفاق مع سلطات التربية التكوين الوصية.
واستشرافا لشراكة متفاعلة في أفق سنة 2030 بين القطاعين،  شراكة الندية والمصالحة بين المدرسة العمومية والمدرسة الخاصة.  فلا بد من تطوير القطاعين بشكل متوازي وبنفس آليات الدعم والمصاحبة.  وهي الآلية كذلك التي تضمن العدالة الاجتماعية وتحقق الجودة بالتناغم المريح. وهو الطموح الإصلاحي المتحرك إلى تنويع العرض التربوي الوطني وتشجيع التفوق والتميز مع مراعاة مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص.  إنها الحكامة التدبيرية في إدارة التغيير، وتعبئة الإصلاح  التي نبحث عنها، وهي أخيرا الآلية التي ممكن أن تدفع بوظائف التعليم الخاص إلى نيل العلامة الكاملة (أيزو/ ISO) في شق المقاولة المواطنة. 
ذ محسن الأكرمين :mohsineelak@gmail.com

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button