تأملات مؤنسة
بقلم أنس الكرماط تلميذ بسلك أولى بكالوريا بالتعليم الثانوي التأهيلي بثانوية عبد الله العروي التأهيلية – نيابة فاس
حدثني عن الحياة التعيسة هل من حل؟؟؟
في هذه الهنيهة.. التي نحن المجتمع المدني نتتبعه بشتى الطرق, برز الإعلام كأداة حلٍ ومناقشة.. خزينة مهمة.. من العراقيل المعيقة.. على سبيل المثال: وأنا.. أمام أهم البرامج السياسية.. لطرح موضوع.. “العنف”.. وهل نحن نتمتع بالحرية لتدفع عني العنف!!!!
لم أكن أدري حينها حتى تحول كل شيء إلى معركة اشتد فيها القتال، في إحدى اﻷيام الشتوية الباردة كنت أجلس القرفصاء قرب منزلنا القصديري، لم أكن أعرف في تلك الهنيهة سوى البكاء على جسدي الذي ارتسمت فيه عظامي واصطكت أسناني، وحالي الغريب يقول:
لا أن أراك بحر التواضع يجذب غديري في شظايا الثرى واﻹنسان ليس خال من العيوب لكن ستكون قليلة
هل ممكن أن أطرح سؤال؟؟ هل بإمكاني أن أحلم؟؟
لكي أعيش المستقبل بتفاعل وبفعالية لا بد أن أصير ناقدا، في نقد كل ما يروج في بالي وينخر فؤادي، أريد أن أعتنق الأدب، الفن، و هواية القراءة، لكن الثقة تنقص مزاياي، لأنني أخاف أن تتعدى كلمات مدى التعبير حتى أصير أبله!
هبَّ عليّ الأسى يعظُّ مخليِّتي، أناملي، لما أعاني منه في صمت، وما أعاني من حولي من جراء المراض التي تشكو منها الأمة… وأمي التي مسها ما مسني عن طريق العنف، هو ليس كالعنف الذي يجري في أذهاننا بل هو ذلك الألم العام المفهوم، عنف الحياة الذي هجم على وجه مثقل بالهَمِّ، أمي الذي أمَّى بها الدَّهر للاشتغال في أحد البيوت الوجيهة، في أحدى الأحياء بمدينة فاس، وعلى سبيل ذكرها فهي في ذلالتها كالذئب الذي إذ أمرته صهّ!!! وحالي في هذا المر كحالي شعري اللئيم:
لا أعرف الكثير يا أيها من طاب الفؤاد===== لشادٍ رأيتك كالسماء التي في سمائه
مطالعة الشمس الذي في ضيائك====== أرى النور رغم شدادة المعاناه
حدود البلاغة من الحلم والعلم..
البلاغة أولا هي من أحد علوم اللغة العربية الحقة، وهي من فعل “بلغ” أي بمعنى وضح وأثر، وبين ووضع الكلام في أحسن جمالية، وإلقاء في أذن المتلقي، و بمعنى آخر أدرك الغاية، والثأثير بواسطة الكلام، إذا أتم فهذه هي البلاغة، مرادف كلمة البلاغة = الفصاحة بمعنى أفصح النطق.. والبلاغة هي حينما يُحادثُك شخصا سواء كان سامعا أو قارئا، وأحدتَ إقناعا لك بواسطة لغته ومفرادته الجميلة، فذلك نعم الحلم الذي ينبغي أن أصير إليه لكي أصير مبلغا موعبا…
حلم صغير تحقق إلى حقيقة !!!
لم أدر حينها كنت تلك صوب الحديقة العامة، وغروب الشمس يكاد يذهب بضيائه، كنت حينها جالسا فوق كرسي خشبي لونه بنيٌ، داكنٌ، وأمامي أطفالٌ صغار يرمون الكرة عاليا، فأسبح بنظراتي حتى تمضي رحلتها في الهواء الطلق، وكان حينها كأهل يجلس القرفصاء، كان أشبه بشظايا اﻷلعاب، التي كنا نلهو بها سعاتِ فراغنا، لكن نستغني عنها حين وجود البديل، لم أستطع مسح صورته من ذاكرتي.. كان ذو وجه عريض ناشف، وعيناه تتخللها التجاعيد، ويديه كمطرقة البناء، وعينان مغرورتين، لم أشعر حينها حتى أصبح كل شيء يحيل بنظرة أمل، تحولت الحديقة إلى مسرح شعبي هافت، طفلة سمراء البشرة تقف فوق الثرى تمسك في كنفها شبابة من القصب تدندن بعض ألحان الزمن الحزين، وفي الجانب اﻵخر، ذلك الرجل الخشن، يخيف الأطفال بنظراته الغائرة، وتمر علينا بائعة الورود الحمراء حاملة لوحة وريشة ترسم طفلا صغيرا بكى جوعا فنام، فتمسح على رأسه، غير أن الرجل الذي يخيف هو وجه مصنوع يمرح الأطفال ولم أكن أدري، فتحول حلمي أن أنشط الأطفال إلى حقيقة مارسها الرجل الخشن بوجهه المصنوع…
مشقة العيش نتيجتها راحة البال.. إن الشجرة التي كانت تظل عرشك كسرت ولن تنمو بعد اليوم
في كل صباح وكالعادة تستيقظ صباحا وشروقَ الشمس في حلته، قصد الدبُّ مدرسة الحياة، مدرسة خالية من القوانين ومليئة بالقسوة لا تشتكي ببرد الصبيحة ولا بحر الظهيرة، فهي تعمل عند أحد البيوت الوجيهة في أحد أحياء مدينة فاس، رغبة في كسب لقمة عيش كريمة لا تسعى أبدا لبناء القصور أو كسي ذاتها حُليا، بل ما تجيده هو الراحة من الدهر فجوة، فهي كالشمس التي تداعبنا كل صباح وتعمينا في عتمة غيابها…
كانت حوالي الثانية ليلا لم أدري كيف استيقظت بعد سبات طويل، كنت ظمآنا كثيرا على غير عادتي، وحلقي كاد يشف من المرق، سبِحت بنظراتي حول نافذة الغرفة، فرأيت السماء سوداءَ كالفحم، كأنها ترغب أن تنطق بأشياء، أحسست حيناها بشيء غريب يتملكني، نسيت اﻷمر وتوجهت خافتا إلى المطبخ رغبة في ارتواء جسدي النحيف بالماء، وأنا أدبُّ في ردهة البيت، سمعت صوتا كالشبابة يُدندن ألحانا حزينةً، طابت من الدهر تشتكي شجنا، اقتربت ببطء نحو نافذة بيت أمي، قصد التجسّس رغم أنها ليست من عادتي، أعليت سدل الستار فسمعتها تُوَشْوِش لخالتي وأسنانها تصطكُّ خوفا كأنها قتلت أو سرقت…، ما كان لها أن تفعل ذلك! مازال اﻷمر غامضا في ذهني تسألت كثيرا.. ماسبب بكاء أمي؟ وكيف تحول وجهها إلى لون الزهور الصفراء ، دخلت الغرفة مسرعا فتطاولت ساعديها ومددت رأسي على صدرها وبعدها سألتها مُثَلَعْثِماً لماذا تبكين يا عزيزتي؟ وأين أبي الذي أبى دخول المنزل اليوم؟
قالت: إن الشجرة التي كانت تظل عرشك كسرت ولن تنمو بعد اليوم… قد مات مع الثالثة، كان عائدا إلى البيت في سيارته بسرعة مفرطة إذ به لم ينتبه لحافلة ركاب قادمة في الاتجاه المعاكس حتى اصطدمت به… صدمة قوية لا أجد لها جدارا يقيني من ألمها، لكن ما الحل إذن؟ الحل هو أن نبتي قطت من جذرها، وعليَّ أن أصبر في انتظار أن أُعَوَّضَ بخير منها..