تاريخ الدولة العلوية الانفتاح وإعادة إقرار الوحدة الوطنية سيدي محمد بن عبد الله
تمكن السلطان سيدي محمد بن عبد الله من ترميم أسس الدولة باعتماده على وسائل متعدد:
لجأ السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى تطوير التجارة الخارجية بشكل تستطيع معه أعشارها أن توفر الحد الأدنى الضروري لسير أجهزة الدولة، فكان الإلحاح على ضمان نظام ضرائبي شبه مستقل عن الداخل، لكي لا يبقى المخزن بحاجة إلى جيش قوي وأن لا يضطر للقيام بالحركات المستمرة لجباية الضرائب من القبائل والمدن، وأن لا يصطدم بقوة الزوايا التي حاولت توسيع نفوذها من جديد منذ وفاة المولى إسماعيل.
ولتحقيق هذه الغاية سلك المخزن سياسة الباب المفتوح، فرممت مدينة أنفا وأسست مدينة الصويرة، وتم استرجاع مدينة البريجة “الجديدة” من يد البرتغال سنة 1769، وقننت العلاقات التجارية مع الدول الأوربية بمعاهدات واتفاقيات متعددة، فجنى المغرب من أعشار مختلف الموانئ التجارية ما يعادل ثلث مداخيل بيت المال سنويا.
كما حاول السلطان اعتماد الجهاد البحري كوسيلة لجلب بعض المداخيل الإضافية عن طريق البحر، إلا أن الدول الأوربية تحالفت من أجل إيقاف هذه الحركة وبذلك تم التخلي عنها تدريجيا.
وفي المقابل فإن تجارة القوافل الصحراوية لم تكن تدر على المخزن إلا القليل من المداخيل العامة، ويعود ذلك إلى كون الرأسمالية الأوربية قد زادت من احتكارها للتجارة مع السودان عبر المحيط الأطلنتي.
وجلبت بقية المداخيل من الضرائب المأخوذة من السكان بالبوادي والمدن التابعة للسلطة المركزية، كما فرضت مكوس جديدة على الأسواق والمدن إذ استصدر السلطان في ذلك فتوى من فقهاء فاس وغيرهم، أيضا اعتمد على فتواهم هذه في تبادل المنتجات الزراعية الفائضة عن الإستهلاك المحلي بالأسلحة والمواد الحربية فأصبحت المنتوجات المغربية الفلاحية تبادل بهذه المواد أو تباع نقدا للخارج، وبفضل هذا التبادل تمكن الفلاحون من أداء ما عليهم من ضرائب، وبموازاة ذلك تكاثرت المراكز التجارية في مجموعة من الموانئ المغربية.
إضافة إلى هذه السياسة الإقتصادية الجديدة، جند السلطان محمد بن عبد الله جيشا يتركب أساسا من أصل مغربي، بعد تجربة جيش عبيد البواخر، فتابع خطة والده المولى عبد الله بأن عمل على خلق توازن بين مختلف العناصر المكونة للجيش، فأنشأ فيالق من بقايا قبائل الكيش ومن بعض القبائل النازلة من الأطلس ومن بعض القبائل القاطنة بالسهول وبعض القبائل الصحراوية ثم بعض عبيد البواخر الذين برهنوا عن ولائهم للسلطان، وبواسطة هذا الجيش الجديد تمت حماية التجارة الخارجية والثغور وإخماد تمردات بقايا عبيد البواخر وإيقاف أطماع بعض أعضاء الأسرة العلوية الراغبين في الإستيلاء على السلطة في بعض المناطق، كما استعمل الجيش أيضا من أجل الحد من نزول القبائل الجبلية نحو السهول.
العلاقات التجارية مع الخارج:
– نهج السلطان سياسة الباب المفتوح أمام البلدان الأوربية:
اتخذ السلطان محمد بن عبد الله سياسة الباب المفتوح في ميدان المبادلات التجارية من أجل توفير المزيد من مداخيل بيت المال وللحد من الهيمنة الإنجليزية أو غيرها ولتوسيع مجال التبادل المتكافئ وضمان الرواج التجاري، فقام بتأسيس مدينة الصويرة التي كان الهدف منها أن تكون الميناء الأول للمبادلات التجارية ومكان تجمع التجار الأوربيين، فصدرت من أجل ذلك قرارات بمنع المبادلات التجارية الخارجية في موانئ أكادير والعرائش وغيرها، وبالمقابل تم تدعيم التبادل التجاري في الصويرة بتخفيض الرسوم الجمركية فيها من أجل تجميع الحركة التجارية في مكان واحد، حتى تسهل مراقبتها من حيث مداخيلها ونوعية بضائعها وبوضع حد للتهريب.
ولوضع ضمانات ثانوية لاستمرار التجارة الخارجية، كان من اللازم التخلي عن الجهاد البحري وتوقيع معاهدات مع الدول الأوربية المتاجرة مع المغرب، فتم بذلك توقيع مجموعة من الإتفاقيات والمعاهدات.
– حاولت الدول الأوربية جعل المبادلات الخارجية وسيلة لتسرب الإقتصاد الرأسمالي إلى المغرب:
حاولت الرأسمالية الأوربية استغلال سياسة التفتح بخلق وضع غير متكافئ في ميدان المبادلات، فبعد أن حاصرت تجارة القوافل المغربية من الخارج وعملت على إضعافها، أخذت تسعى عند نهاية القرن لغزو السوق الداخلية المغربية بالبضائع المصنعة، وبالتالي فقد شكل دخول المواد المصنعة الأوربية للسوق المغربية بداية لربط البلاد بالمواد التي تستفيد الرأسمالية التجارية الأوربية من ترويجها ومن أرباحها.