مستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر

تجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بين الإحداثين (2000-2016)

مراسلة: ذ.الخليلي بوشعيب
دخلت تجربة الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في سياق اللامركزية منذ سنة 2000 والهدف بالطبع يندرج في إطار السياسة العامة للدولة للاتركيز الإداري واللامركزية في تدبير الشأن العام. تم إحداثها بالقانون 07.00 الذي أحدث مؤسسة عمومية مستقلة ماليا وإداريا (المادة 1 منه) الا أن التجربة بينت عن قصور تصور الذين أعدوا النص لمفهوم المؤسسة العمومية في مفهومها وبالطبع إذا غاب التصور الواضح كان النص غير واضح.
اليوم بعد توسع ورش الجهوية التي خطب بها ملك البلاد كحل جديد يهدف لحلحلة عدة مشاكل سياسية واقتصادية والتركيز على التوسيع من صلاحية الجهات وبالتالي اللاتركيز الإداري من خلال تحويل الاعتمادات والموارد البشرية الضرورية وإعادة التوزيع بما يحقق التكافؤ والتنمية بأبعادها للجهات. ذلك ما تم تكريسه في الدستور الجديد لسنة 2011 في الباب التاسع منه.
 في هذا السياق اتى الإصلاح بين قوسين للقانون 07.00 حتى يساير التقطيع الجهوي الجديد للجهات لكن السؤال هل كان هناك فعلا توجه واضح في الإصلاح يساير توجهات ملك البلاد والدستور الجديد وتطوير لتجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في صيغتها القديمة والدفع بها من خلال تفعيل مالم يفعل في القانون السابق وتجاوز العقبات التدبيرية، المالية والبشرية، من خلال تصور واضح للإصلاح.
أم لا زال هناك تخبط بين إنضاج تجربة المؤسسة العمومية وبين الرجوع إلى النظام المركزي القائم على مقاربة عمودية في التدبير من خلال وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى مديرياتها الجهوية ومنها إلى المديريات الإقليمية. 
إشكالات تجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين منذ الإحداث
ظلت الأكاديميات منذ إحداثها تتخبط في إثبات ذاتها كمؤسسة عمومية لكن في الواقع لم تتمكن من الاستقلال المالي عن وزارة التربية الوطنية ولا من استقلال القرار الإداري.
التدبير المالي والإداري
تعتمد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في ميزانيتها كليا على الاعتمادات التي تخصصها لها الوزارة والتي يتصرف فيها مدير الأكاديمية كآمر بالصرف عن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني في المقابل يعتبر (مدير الأكاديمية كمدير مؤسسة عمومية) مستقلا ماليا يتصرف في موارد الأكاديمية بصفته مدير منبثق عن المجلس الإداري.
التوجه العام لإحداث الأكاديميات هو سياسة اللاتركيز واللامركزية في تدبير الشأن العام لكن تسيير المؤسسة بقي في مجمله من الاستراتيجية إلى المهام البسيطة تديره المصالح المركزية للوزارة، بل عرف التسيير نوع من التخبط في إصدار النصوص القانونية والتنظيمية واستمرار قصور مدير الأكاديمية على اتخاذ القرارات سواء تعلق الأمر بتنظيم الدراسة أو بالحركات الانتقالية أو بتدبير المشاريع التي بقي أغلبها مركزي.
تدبير الموارد البشرية
تعتمد الأكاديمية منذ إحداثها -مع أن القانون 07.00 المحدث للأكاديميات ينص على نظام أساسي خاص للأعوان-على الموارد البشرية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني التي تضعها رهن إشارتها. بحيث ظلت قاصرة عن تدبير وضعيه الموظفين الموضوعين رهن إشارتها ولا يمكنها التصرف سواء تعلق الأمر بالتأديب أو بالترقية أو بالتقاعد. 
اعتمدت الوزارة لحل مشكل تبعية الموارد البشرية-بدل تفعيل النظام الخاص -على تفويض بعض الاختصاصات إلى مدير الأكاديمية الجهوية مع أن صفته كمدير مؤسسة عمومية لا يمكنه ممارسة الاختصاصات المفوضة إليه أولا لأن الموظفين غير تابعين له ثانيا لأنه ليس موظف ولا ينتمي بصفته إلى الوزارة. 
كذلك لا يمارس مدير الأكاديمية اختصاصاته في اقتراح النواب على وزير التربية الوطنية ما داموا يدبرون مصالح خارجية لمؤسسته، بل ظلت الوزارة تعين النواب الإقليمين وتدبر شأن الموظفين مركزيا في إخلال واضح بالاستقلال الإداري وبالتبعية الإدارية لنيابات الإقليمية كمصالح خارجية للأكاديمية. حتى منصب مدير الأكاديمية لا يخضع لمنطق المؤسسة العمومية بل ينقل المدير من أكاديمية إلى أخرى كأي مدير مؤسسة تعليمية.
الإصلاح الجديد للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين
رغم السياق الجديد والتوجهات الجديدة للجهوية الموسعة إلى أن الإصلاح الذي جاء به القانون 71.15 الصادر في 8 فبراير 2016 والنصوص التي نزلت القانون، تعبر عن قصور في التصور لمنطق المؤسسة العمومية ويعود بتجربة الاكاديميات إلى نقطة الصفر مع استمرار الإشكالات البنيوية للمؤسسة وذلك من خلال ترقية النيابات الإقليمية إلى مديريات إقليمية وخلق هيكلة عمودية من الوزارة إلى الأكاديميات الجهوية للتربية التكوين.
 إحداث المديريات الإقليمية بدل النيابات الإقليمية
نص قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم مصالح الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على إحداث مديريات إقليمية في إشارة إلى النيابات الإقليمية تابعة إلى الأكاديميات. بيد أن تسمية النيابات الإقليمية بالمديريات الإقليمية فيه إيحاء بأن مدير الأكاديمية يعتبر بمثابة مدير جهوي. في الحقيقية مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ليس مديرا جهويا للوزارة فهو مدير مؤسسة عمومية مستقلة يعين بمرسوم من طرف رئيس الحكومة.
كما ينازع النائب الإقليمي أي المدير الإقليمي مدير الأكاديمية باختصاصات تتنافى ومنطق المؤسسة العمومية. ما هو معلوم بالضرورة أن المؤسسات العمومية تتمتع بالشخصية المعنوية التي بها تباشر أعمالها وتمثل أمام القضاء في صفة مديرها أو من ينوب عنه. فكما أن رئيس الحكومة يعتبر ممثل الإدارة وترفع القضايا ضده في المحاكم فمدير المؤسسة العمومية يعتبر بموجب المادة 1 و515 من قانون المسطرة المدنية الممثل القانوني أمام القضاء للمؤسسة.
المديرون الإقليميون –مع أن الوزارة تعتبرهم مصالح خارجية للأكاديميات-لهم حق تمثيل المصلحة الإقليمية إزاء كل شخص ذاتي أو معنوي على مستوى العمالة أو الإقليم. في حين أنه لا يمكن ممارسة هذا الاختصاص إلا بتفويض وبقرار من مدير الأكاديمية.
هنا نقول إن من تصور هذا يقع بين واحدة من اثنتين إما أنه لا يعرف منطق المؤسسة العمومية والضرورة التدبيرية التي تدفع لاعتمادها وإما هناك توجه خفي للإجهاز على التجربة والرجوع إلى التدبير المركزي للتعليم.
هندسة هيكلة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين
الجديد كذلك هو اعتماد هندسة عمودية للمصالح والأقسام سواء للأكاديميات أو للنيابات الإقليمية. فالصواب في منهجية المؤسسات العمومية أن تكون هناك مقاربة أفقية تعمل من خلالها كل أكاديمية على تحديد الحاجيات والضرورات ووفقها تحدث مصالحها وبنياتها الإدارية.
عمدت الوزارة بخصوص تحديد اختصاصات وتنظيم مصالح الأكاديميات إلى انتهاج مقاربة عمودية في هيكلة الأكاديميات بحيث جعلت لكل مديرية مركزية مصلحة تمثلها على مستوى الأكاديميات. مثلا إحداث مصلحة الشؤون القانونية والشراكة بالموازاة مع مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، المركز الجهوي للامتحانات بموازاة مركز الامتحانات، المركز الجهوي لمنظومة الإعلام بموازاة مديرية منظومة الإعلام…
خلاصة القول إن الإصلاح يكرس ضعف الأكاديميات فعند الإحداث تم تصور أكاديمية على شكل مؤسسة عمومية لكن تم إحداثها بروح مديرية جهوية وضل التطلع إلى تطوير وتحسين التجربة. أما الآن فالتوجه يسير في اتجاه استعادة الهيكلة المركزية وتكريس تبعية الأكاديميات المالية والبشرية للسلطة المركزية، وغياب تصور مستقبل المؤسسة والدور المنوط بها. 

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button