تدبير “عتبات الانتقال بين المستويات الأسلاك ” الصدمة القادمة
مراسلة:ذ. محسن الاكرمين/ باحث تربوي
تراتبية تنزيل التدابير ذات الأولوية 2015/2018 ضمن المخطط المرحلي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، أخذ مساره بقوة سرعة الطريق السيار، بغية ولوج مستعجل إلى بوابات الفصول الدراسية بالمؤسسات التعليمية العمومية. ومن بين القضايا الملحة بالتدرج المرحلي والزماني، قضية التفعيل الميداني للمحور الأول ( التمكن من التعلمات الأساسية) ، لكن تحليلنا الآن سينصب فقط على التدبير الثاني منه، وهو تدبير “عتبات الانتقال بين الأسلاك ” .
شجن القضية بتشابك الإخفاقات الماضية، والإختلالات المتراكمة. يحيلنا لزوما إلى كشف وضعية غير صحية واكبت منطلقات إلزامية التعليم والتعميم، والتعريب… ، من حيث القفز عن جودة الأداء والمنتوج، إلى السلاسة الانتقالية بين المستويات والأسلاك، وبتوجيه دقيق من دفة الخريطة المدرسية الوزارية والتي حكمت بالاستبداد المدرسة المغربية منذ ثمانينات القرن الماضي. حيث أصبح النجاح عملة بخسة يتساوى فيه المجد والمتعثر والمشاغب على السواء . هنا انقلب سحرالنجاح بفلسفة الاحتفاظ بالمتعلمين بين أحواض الأسلاك التعليمية إلى أزمة حصيلة إنتاجية، وتكدس اكتظاظي، ومنتوج من المتخرجين من المدرسة العمومية مرتخ المستوى إلى حد الإحباط الاجتماعي /الجماعي. وحين تشكل شعاع الأزمة المدرسية العمومية بالإكتمال، احتل المغرب الصفوف الأخيرة ضمن التصنيفات الدولية الدورية. وأضحت المؤسسات التعليمية تكافح لأجل وجودها وكأنها تستجدي ربح رهان البقاء بالتعميم، وقهر الأمية الأبجدية المتراكمة تاريخيا .
لما آثرنا رد الأمر إلى قضية اختيارات وطنية أولية، عندها لا ننكر تجليات الظرفية التاريخية. ولن نحاكم النيات مهما كانت حسنة أو مبيتة بمقصد محاربة عزوف الالتحاق بالمدرسة، ولا وضعية شدة التسرب المدرسي، ولا نكوص مجموعة من محدودي المستوى التعليمي نحو الأمية بالعود. ولكن لكي ندق مطرقة القاضي العادل على الطاولة ، ونعلن أن تلك الاختيارات كانت لا شعبية، وتضرب المدرسة العمومية في صميم الاختصاصات والمواصفات، وتسحب منها سلطة الجودة، والتوهج التربوي والثقافي والاجتماعي والفني ، نحو مسلك بناء ودعم المدرسة الخصوصية، وجيل حكام المغرب الجدد.
قضيتنا من ” تدبير عتبات الانتقال بين الأسلاك ” هي أن بعض المتعلمين امتلكوا إحساس حلاوة النجاح دون عناء ولا مجهود مشهود، ولا جودة ولو في حدها الأدنى من امتلاك الكفايات الأساس. وللسؤال تحفيز ثوري لخلخلة الأفكار بالتوالد، ولما التناطح المعرفي المضاد. كيف يمكن لنا أن نستل المدرسة المغربية من مأزق “الكل ناجح” إلى وضعية معيارية التحكم في التعلمات الأساس (تدبير عتبات النجاح بين المستويات والأسلاك ب 5على 10 في السلك الابتدائي ، و10 على 20 في السلك الإعدادي الثانوي، بمتم الموسم الدراسي 2018) ؟ هل تطبيق معيارية عتبات الانتقال سينقل المؤسسات التعليمية إلى حصاد النتائج الكارثية ؟ أو بتعبير آخر، هل “تسونامي” الرسوب سيصيب المدرسة العمومية ؟ هل سيعري التشديد على احترام معيارية عتبات الانتقال بين الأسلاك والمستويات ما تبقى من مستور المؤسسات التعليمية؟ هل تطبيق عتبات الانتقال بين الأسلاك والمستويات سيكون الخادم الأمين للتعليم الخصوصي مرة ثانية ؟ .
إنها الأسئلة الماكرة، التي ليس لها حدود أجوبة معينة تستبيح تفكيك الشفرة غير السوية لعملية تدبير” عتبات الانتقال بين الأسلاك والمستويات” . أولى الملاحظات الوصفية التي لا يمكن السكوت عنها أو تجاوزها بالقفز، هي قصر مدة التنزيل قبل الإرساء النهائي بمتم سنة 2018 . فيما الملاحظة الثانية أن تسريع تدبير” عتبات الانتقال بين الأسلاك والمستويات” ستشعل نيران حطب الرسوب بمتوالية ادفع ، وستفتح الأسرة دخانها الأوكسيدي على المؤسسات التعليمية العمومية ، فيما الفصل عن الدراسة و الانقطاع سيتزايد بنسب صاعدة، وستزيد معه طلبات الاستعطاف بداية كل سنة دراسية .
فإذا جاز لنا أن نسمي التدبير الثاني من المحور الأول ” تدبير عتبات الانتقال بين الأسلاك ” بأحد التسميات الشعبية ، فإنه يحق لنا القول ” أراد أن يقبله ، فأصاب عينيه بالعمى ” . هي ذي الحقيقة المرة التي لا يمكن التكهن بمصداقيتها الاستشرافية أو بتكذيبها ، لكننا آثرنا ذكر ذلك من حيث حجم المتعثرين بالمدارس المغربية والذي يفوق بالتضاعف عدد المتمكنين من كفايات التعلمات الأساس ، وكذلك إننا ندفع بحصص الدعم إلى الأمام بصيغة التطوع ، فيما الإكراه الزمني، والمسؤوليات القانونية ،تخبر بفشل تجارب قد مرت، ولسيت بالبعيدة.
لا ننكر مدى أهمية الدعم بجميع أشكاله البيداغوجية ، لا نستخف بمبدأ المعالجة، والضبط بالتعديل المرحلي لمجزوءات بناء موارد التعلمات الأساس . ولكننا ننكر أن الإصلاح أثره المنتظر يقتصر فقط على صياغة التقارير المثقلة بالأرقام العصية ، عن من استفاد من يتم -(بضم الحرف الأول )- حصص الدعم التطوعي. إصلاح يصبح فيه المتعلم رقما فقط ضمن الانحرافات المعيارية القياسية للتعلمات الأساس بتقابليات التلاميذ والمؤسسات التعليمية.
نعم ” البرنام التطبيقي للدعم” يقوم باستثمار معطيات برنامج “مسار” ويعمل على تحليل النتائج بدقة تامة، ثم تحديد وتفيء التلاميذ حسب الحاجة إلى الدعم، وتشكيل أقسام الدعم حسب نوعية تعثرات التلاميذ وشدتها، وتدبير وتتبع عتبات الانتقال بين الأسلاك والمستويات. كل ما قيل، و ما لم يذكر يشكل الثورة المعلوماتية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، لكن طابع الشكلية والتوصيف يسلبنا مرجعية التنزيل الواقعي للدعم من حيث الأحياز الزمنية الممكنة بالمأسسة الموضعية والإلزامية ضمن استعمالات الزمن المدرسي ، ومن حيث الإرساء بالارتكاز على التقويم التشخيصي والتكويني بمقابل تحجيم أدوار التقييم الجزائي برؤية الأطر المرجعية للامتحانات. فالمادة 79 من الرؤية الإستراتيجية 2015/ 2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تنص على تبسيط ومعيرة آليات التقييم والدعم التربوي ضمانا لتوفر المتعلمين على حد مقبول من النجاح ومتابعة الدراسة فيما بين المستويات والأسلاك التعليمية .
تدبير” عتبات الانتقال بين الأسلاك ” هو تدبير إشكالية عمرت لأقرب من نصف قرن بالمغرب التعليمي ، وما شمل برحم التكاثر من مشاكل كبل المنظومة التربوية بفجوات مدوية الوقع، وأفرغ القسم من جودة النتائج ، بمقابل المدرسة المقاولاتية / الاستثمارية الخصوصية الجديدة.
تدبير يظهر حسن نية ، فيما الخوف قد سكن دواخل المؤسسات التعليمية من نتائج مرتقبة ممكن أن تكون صادمة للأسر.
لكن صيغة البحث عن من يدعم التلاميذ المتعثرين في المواد الأساسية بالتطوع غير مجدية بتاتا، بكثلة مشاكل وإكراهات بنيات الموارد البشرية – (الحانقة من السياسة / قرارات التقاعد ) – التي تركب المدرسة العمومية. فيما قولنا الرمزي في التطوع، فله اليد الحسنى في تجارب مشرفة غير موثقة. لكن من النكُات المتداولة الآن، الخوف من إنزال مرسوم مشابه بالاحتفاظ بالمتقاعدين من الأساتذة والأطر الإدارية إلى نهاية السنة الدراسية ، يلزم الأساتذة على التطوع خارج أوقات العمل، ويشرعن الدعم التطوعي بمرسوم وزاري !!!.
سيقول قائل، ما البديل ؟ ،وما لنا دائما نميل إلى النقد القبلي بالاستباق ، ونبني سدود الخوف والتخوف الآتية من الوجهة المستقبلية ؟ . إنها التجارب الماضية (الميثاق الوطني للتربية والتكوين / البرنامج الاستعجالي …) والتي أسهمت بحق على بناء مبدأ عدم الثقة، والصدق الكامل في المؤشرات المعلنة من أي إصلاح تربوي مغربي. فليس بذكر بعض التخوفات الانحرافية الممكنة بالتوقع، هو عدمية وسلبية في الانخراط الطوعي والتعبئة الشاملة في إرساء تدبير “عتبات الانتقال بين الأسلاك “، ولكن العيب في القفز عن ناظم آليات المقاربة التشاركية المصرح بها سلفا وفق أدبيات خلاصة التدابير ذات الأولوية المرحلية (2015/2018) ، و تهميش أطر(الأساتذة) المؤسسات التعليمية من إبداء الرأي كقوة اقتراحية تتبعية تعايش حقيقة عمليات التنزيل، العيب الكبير في إثقال كاهل الأطر الإدارية بمجموعة من البرانيم الإحصائية / التدبيرية – (esise/ gresa/ برنامج مسار / برنامج مسير/ بوابة العنف المدرسي / البرنام المعلوماتي التطبيقي للدعم…) – فيما الخطأ الملوح الموالي في حصر أدوار الأطر الإدارية في التطبيق فقط وكتابة التقارير، دون المشاركة التفاعيلية / التصاعدية، والتواصل في شأن تثبيت كل محاور التدابير المرحلية ذات الأولوية بالضبط .
الخوف الثاني في الإرضاءات الداخلية والخارجية والنفخ في كير المعدلات حتى تبلغ عتبة النجاح كرها، في حين كان على الوزارة الوصية التنصيص على الرفع من معاملات المواد الأساس – (اللغة العربية/اللغة الفرنسية /الرياضيات بالسلك الابتدائي، بإضافة العلوم الطبيعية /العلوم الفيزيائية بالسلك الإعدادي الثانوي ) – والتخفيف من ضغط البرامج والتوقيت أولا بالإبتدائي، ومأسسة حصص دعم معلومة، وموطنة ضمن استعمالات زمن الأساتذة. مع إجراءات أخرى يكون التقويم فيها ( الفرض المحروس/ المراقبة المستمرة / الاختبارات الإشهادية ) موثوقا بالدقة إلى حد مقبول من النجاح ومتابعة الدراسة فيما بين المستويات والأسلاك التعليمية .
وإن كان لزوما من التنزيل الآني، فالأمر سيكون ميسرا من جانب تطيق عتبة النجاح إلى حين إرساء موجهات الإصلاح الكبرى. البرنام المعلوماتي التطبيقي في إطار التجريب ( أبريل / ماي ) ويتطلب نقط التشخيص الأولي (شتنبر2015) ، ويدفع به إلى الأمام بالقبول والترحيب به كمولود جديد يواكب كذبة ابريل هذا الموسم ، إلى غاية السنة الدراسية القادمة .