رجوع إلى الطفولة: قراءة في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية
رجوع إلى الطفولة: قراءة في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية
الفصل الرابع: الأبعاد الدلالية
بقلم الاستاذ لحسن الخلفاوي
تبدو سيرة ليلى أبو زيد الذاتية حبلى بالدلالات، سيما أنها تتحدث عن فترة عصيبة من تاريخ المغرب المعاصر؛ هي فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب، وفترة من زمن الاستقلال عرفت صدامات حادة بين المعارضة والنظام. ومن بين الأبعاد الدلالية لهذه السيرة نجد البعد الوطني والتاريخي، والبعد الاجتماعي، والبعد النفسي.
1- البعد الوطني والتاريخي:
فالنص يؤرخ لحقبة من تاريخ المغرب المعاصر تعرض فيها للاحتلال الفرنسي والإسباني، فهب المخلصون من أبنائه للدفاع عنه، والتفاني في خدمته. وقد ظهر ذلك في مواقف الوطنيين من الاحتلال ومقاومتهم إياه، وتحملهم ويلات الاعتقالات والسجون وألوان التعذيب المادي والنفسي الذي لم يكن يزيدهم إلا عزما وإصرارا. فأحمد أبو زيد والد ليلى يأبى إلا أن يكون في صف الوطنيين، وهو يعمل ترجمانا بين الفرنسيين والأمازيغ. ولما اكتشف أمره منع من الاتصال بأي شخص في المركز. ومع ذلك ظل مصمما على تسلم المناشير وتوزيعها. فاعتقل وسجن وعذب. ولما خرج من السجن هرب السلاح إلى بني ملال فاعتقل مجددا وعذب عذابا شديدا ولم ينل ذلك من عزيمته، بل واصل مسيرة الكفاح في سبيل الوطن، ووقف شامخا في وجه الفرنسيين الذين أرادوا إدلاله. غير أن أحداثا جساما بعيد الاستقلال عصفت بآمال بعض هؤلاء الوطنيين الذين شعروا بأن الوطن أنكر تضحياتهم، وأذاقهم ألوانا من الإذلال وأصنافا من التعذيب لم يعرفوا لها مثيلا حتى في فترة الاحتلال الذي قاوموه بكل ما أوتوا من قوة.
2- البعد الاجتماعي:
لقد كشف النص السيرذاتي لليلى أبو زيد عن نمط عيش المغاربة، وطبيعة تفكيرهم، ونظرتهم إلى الأجنبي الغازي، وطبيعة العلاقات السائدة بين أفراد المجتمع في فترة الاحتلال. ومن القضايا الاجتماعية البارزة التي عرضتها هذه السيرة قضية التضامن والتآزر بين الأفراد والأسر المغربية. وقد تجلى ذلك في إيواء عائلات المعتقلين أثناء زيارتهم لذويهم في سجون الاحتلال، واعتناء الوطنيين بأبناء المعتقلين وعائلاتهم. كما كشفت بعض المظاهر السلبية المنتشرة في المجتمع المغربي آنذاك من قبيل: الإيمان بالخرافة والشعوذة، والعمالة للمحتل.
3- البعد الحضاري:
يظهر النص السيرذاتي لليلى أبو زيد الوجه الحقيقي لفرنسا الحرة التي تفتخر بالديمقراطية في الوقت الذي تنكل فيه بأبناء الشعب المغربي وتذيقهم ألوانا من التعذيب الوحشي. وهذا الوجه ليس سوى صورة للوجه البشع للحضارة الغربية التي تمارس نفاقا لا مثيل له عبرت عنه ليلى أبو زيد بقولها: ” كلهم كذلك، الغرب كله كذلك. يرفعون شعارات المبادئ طالما كانت تخدم مصالح ذواتهم الغربية، ثم يخرقونها بمجرد ما تمس بها” (ص: 124) وتقول في موقع آخر معلقة على قول النصراني لأبيها: “إني لا ألومك، وكذلك لا تلمني. لقد كنت تدافع عن مصلحة بلادك، وكنت أدافع عن مصلحة بلادي. يا له من كلام مؤثر! دفاع عن الحق في الاستعمار! هذا هو المنطق الذي تستعمله الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لتبرير تدخلاتها في العالم بأسره: ” المصلحة الخاصة”، ” طريقة العيش الأمريكية”. هؤلاء الناس لا يخجلون من بناء رفاهيتهم على بؤس الآخرين، ولن تعوزهم التبريرات. ألا ترين كيف يسيطرون على ثروات العرب ويريقون الدماء من أجل ذلك”. (ص: 128) كما تكشف -أيضا-عن الخلل الكامن في المواقف الحضارية للمعارضة آنذاك والتي ترى الكاتبة أنها ولت ظهرها لمبادئها وهويتها الدينية وتعلقت بمبادئ وافدة. (ص: 148)
4- البعد النفسي:
لقد عبرت هذه السيرة عن كل ما يمكن أن يعتري المضطهدين والمحرومين من اضطراب وقلق وخوف ووساوس. بدءا بما كان ينتاب الأم من قلق على زوجها وبناتها، وشعورها بخيانة زوجها، وتعرضها لانتقادات حادة من قبل إخوتها وصديقاتها، وانتهاء بالخوف والخنوع الذي طبع شخصية أحمد أبو زيد بعد خروجه من السجن بالقنيطرة جراء هول التعذيب الذي تعرض له هناك. وهو موقف استغربته ابنته ليلى من رجل وقف وقفة الأبطال في وجه الحاكم الفرنسي لما أهانه، وهو اليوم يطأطئ رأسه أمام رعونة شرطي في المطار.
الخاتمة:
لقد حاولت في هذه الدراسة المتواضعة لسيرة ليلى أبو زيد الذاتية أن قارب نصا سرديا ينتمي إلى الأدب الشخصي حيث يكون حضور الكاتب قويا، وصوته مسموعا، وينشغل قارئ هذه النصوص بإيجاد التطابقات الممكنة بين حياة الكاتب وما كتبه عن نفسه، ولاسيما إذا كان هذا الأخير كاتبا مرموقا ذائع الصيت. وهكذا تعرفنا من خلال هذه الدراسة على اشتغال النص الموازي في سيرة ليلى، وعلى طابعه التعاقدي الصريح، وعلى مقومات هذا النص السيرذاتي السردية والجمالية، وأبعاده الدلالية. وقد رجونا من ذلك تقريب أفهام متعلمي السلك الإعدادي من خصائص اشتغال النصوص السيرذاتية عموما وسيرة ليلى بالخصوص.
والله ولي التوفيق والسداد.
مع خالص الشكر وعظيم الامتنان لموقع المستجد التربوي لنشره هذه الدراسة
مسرد المصادر والمراجع:
– ليلى أبو زيد: رجوع إلى الطفولة، شركة النشر والتوزيع المدارس- الدار البيضاء/ الطبعة الثالثة: 1426ه/2005م.
– حنا مينة: بقايا صور، درا الآداب- بيروت/ الطبعة السادسة: 1997م.
– غابرييل غارسيا ماركيز: مائة عام من العزلة، ترجمة الدكتور محمد الحاج خليل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الأولى: 1993م.
– جيرار جنيت: خطاب الحكاية: بحث في المنهج، ترجمة محمد معتصم، وعمر حلي، وعبد الجليل الأزدي، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء/ الطبعة الأولى 1996م.
– حميد لحميداني: أسلوبية الرواية: مدخل نظري، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء/ الطبعة الأولى 1989م.
– حميد لحميداني: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي/ الطبعة الأولى: 1991م.
– حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي/ الطبعة الأولى: 1990م.
– عمر حلي: البوح والكتابة: دراسة في السيرة الذاتية في الأدب العربي، مطبعة دار وليلي/ الطبعة الأولى: 1998م.
– محمد معتصم: الشخصية والقول والحكي في لعبة النسيان لمحمد برادة: دراسة نصية تحليلية، توزيع مكتبة الرسالة/ بدون تاريخ.
– محمد العماري ومحمد أدادا: أوراق لعبد الله العروي: السرد-الأسلوب-التيمات، دار الأمان- الرباط/ الطبعة الأولى: 1417ه/1996م.
– مجموعة من الباحثين: في الثقافة والأدب، جامعة ابن زهر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، سلسلة شهادات/ الطبعة الأولى: 2002م.