مستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر

رهانات تنزيل الرؤية الإستراتيجية 2015-2030

   بقلم محسن زردان – كاتب ومهتم بشؤون المعرفة –     
هل يكون مخطط الرؤية الإستراتيجية 2015- 2030 بمثابة بصيص أمل لإصلاح أعطاب المنظومة التعليمية، التي أضحى إجماع كل الأطراف على استفحال أزمتها، حقيقة لا يخامرها شك، أم أن هذا المخطط لا يعدو أن يكون مجرد حلقة من حلقات مسلسل الإخفاق، الذي عرفته المنظومة التعليمية المغربية منذ الاستقلال؟
سؤال قد يجيب عنه قادم الأيام، لكن ذلك لا يمنع من الحديث عن مخطط الرؤية الإستراتيجية الجديد، سعيا لإغناء النقاش، وفتح مجالات للتفكير وزوايا للتأمل حول رهاناته وآفاقه المستقبلية.
يكفي القارئ، تصفح عناوين و مضامين الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 حتى تتكون لديه القناعة الأكيدة، بمدى الانسجام التام من ناحية وضوح الأفكار والغايات والأهداف، وصلابة المعايير والمقاربات العلمية والتشاركية المعتمدة، لكن ذلك لا يكفي لرسم صورة أكثر تفاؤلا عن المصير والمآل، لأن واقع عرض المخططات في الاجتماعات الرسمية عبر المسلاط الآلي تحت تأثير الأشعة الضوئية الملونة لسرد متتاليات رقمية، أوعبر المذكرات الوزارية شيء والواقع شيء آخر، فَرُهَاب فشل البرنامج ألاستعجالي مازال جاثما على النفوس، بل ملفات تقارير المجلس الأعلى للحسابات مازالت بدورها تنتظر حسم القضاء بشأنها.
هذا المشهد يعطي الانطباع، ويجعلنا أقل تفاؤلا للقول، بأن المخطط الجديد، لا يشكل قيمة مضافة في حقيقته، ولن يختلف عن باقي المخططات المتعثرة السابقة، وقد تكون محاولة الاجابة عن سؤال ما الذي تغير بين اليوم والبارحة في حقل منظومتنا التربوية، كفيل برسم صورة مقربة عن محيط الاشتغال، الذي على ضوئه ستتم أجرأة مخطط الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، وهو محيط أقل ما يقال عنه، أنه حافل بالمشاكل البنيوية المتراكمة، التي تبدأ بغموض إرادة الإصلاح سياسيا، مرورا بارتفاع درجة الاحتقان في المطالب الفئوية لشغيلة القطاع ( الأساتذة بمختلف أصنافهم، المفتشون، المديرون، المهندسون، المتصرفون، الملحقون، المساعدون الإداريون …الخ).    
إن المتأمل بعمق لمقتضيات المذكرة الوزارية رقم 17/047 الصادرة بتاريخ 01 فبراير 2017، سيجد أن القاموس المعجمي المستعمل ، شبيه إلى أبعد الحدود بالمخطط الاستعجالي، وهنا نستحضر مفاهيم المخططات الإستراتيجية، رؤساء المشاريع، فريق المشروع، لجنة القيادة والتتبع، وهي مفاهيم  تحيل نفسيا على أوجاع المشاريع المتعثرة، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، مما سيطرح إشكالا عميقا حول مدى انخراط الفاعلين في المنظومة التربوية، في إنجاح هذا المشروع الحيوي، وإرجاع مبدأ الثقة، وفي مدى إيمانها أصلا بالتطور والإصلاح، خصوصا وأن قضية ربط المسؤولية بالمحاسبة، تدفع مجلس الأعلى للحسابات بالمراقبة وإعداد مجموعة من التقارير التي تكشف عن مجموعة من الاختلالات، وتبقى في غالبيتها مركونة في الرفوف، ويمكن تحريكها في أي وقت من الأوقات حسب الضرورة، وتبعا للمتغيرات السياسية، مما يجعل من الصعب على الكفاءات على قلتها التي تحترم نفسها القبول بتحمل مسؤولية مشروع لا يحمل مقومات وشروط النجاح، وسيكون مصيره التعثر، وبالتالي فمسألة علاج الأزمة تفوق بكثير كفاءة وقدرة أي موظف، لكن هذا لا يمنع من استعداد الكثير من قناصي مثل هذه النوعية من المشاريع، هاجسهم الأساسي هو الجري والتسابق وراء التعويضات، بغض النظر عن وصول المشروع لتحقيق أهدافه من عدمها، مادام أن نسبة مهمة من المشتغلين في قطاع التعليم العمومي ناهيك عن طبقة الميسورين والطبقات المتوسطة، يدرسون أبنائهم بعيدا عن المدرسة العمومية في القطاع الخاص، ويا لها من مفارقة، وهي مسألة لها في العمق أبعاد أخلاقية أكثر من شيء آخر.
الوزارة الوصية أعدت مخططا إصلاحيا محدد في الزمان والمكان، وأبرزت خطوطه العريضة، لترسل كرته الملتهبة إلى الجهات والأقاليم، من أجل تحميلهم مسؤولية التنزيل، وإشراكهم في صياغة المشاريع حسب المجالات المعينة، بغية مراعاة خصوصية كل جهة وكل إقليم، مع التنسيق مع المديريات المركزية على كثرتها بلا فائدة تذكر، مما سيطرح للنقاش سؤال قديم ولكن يبرز في كل مرة بالنظر لراهنيته الملحة، هل تنزيل مخطط الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 يدخل في إطار مهام  الأطر المسؤولة عن القطاع، أم أن الأمر سيقتضي مرة أخرى صرف ميزانيات ضخمة، بدعوى التعويض عن المهام الجديدة، التي للإشارة فقط يستفيد من قسطها الأكبر المسئولين الكبار، في حين أن باقي الموظفين، الذين يساهمون بدورهم في تلك المخططات، يعتبرون أن مسألة تنزيل هذا المشروع يدخل في إطار مهامهم اليومية.
في كل إصلاح جديد، تبرز مسألة الموارد البشرية النوعية المؤهلة الحاملة للإصلاح، التي يشي واقعها، بالخصاص في الأطر، وقلة تكوينها، مما حدا بالحكومة في قرارها السياسي، اللجوء إلى صيغة التوظيف بموجب عقود، وهو في عمقه توظيف مباشر، يوحي بأن الأولوية هي لحراسة التلاميذ في الأقسام، أكثر من الحديث عن جودة التعليم التي تعد في هذه الأوضاع ترفا خارج سياق الواقع.
في السياق ذاته، مازال شأن التدبير الإداري خاضعا للسياسة، في إطار مشروع اللامركزية والتقسيم الجديد للجهات، التي قلصت من 16 إلى 12 جهة، وهو ما يجعل استكمال الهيكلة الجديدة للأكاديميات والمديريات الإقليمية، يعرف بعض الصعوبات، مما يطرح أكثر من علامة استفهام عن صورة تنفيذ مشروع مازالت هياكل مؤسساته غير مكتملة، التي من المفروض التعويل عليها لتنزيل هذا المشروع.
قد يبرز تساؤل مشروع في هذا النقاش، فإذا كان المخطط الاستعجالي برنامجا للبذخ المالي، حيث رصدت له أموال ضخمة، وتدخلت في صياغته مكاتب الاستشارة الوطنية والدولية، وعلى الرغم من ذلك فقد كان مصيره التعثر، فماذا يمكن تصور برنامج بصيغته الجديدة، حيث من المرجح أن يكون برنامجا تقشفيا بامتياز، يتماشى مع التوجه الحكومي، الساعي لرفع يدها التدريجي عن القطاعات الاجتماعية، وبالتالي فالمؤشرات تفيد بأن مصيره لن يختلف عن سابقه من المشاريع الإصلاحية الأخرى.
هذا التوجه، قد يفهم من ورائه، أنه يراد للمشاريع والمخططات الحكومية الموضوعة التعثر، خصوصا في القطاعات الاجتماعية التي تعتبر في نظر الحكومة قطاعات تلتهم ميزانيات ضخمة، حتى يتم تجميع خلاصة مفادها، أن الدولة غير قادرة اعتمادا على إمكانياتها ومواردها المحدودة، على تغطية تلك القطاعات، وبالتالي فهي في حاجة أولا لضخ أموال في ميزانيتها، من خلال رفع مبدأ المجانية عن الخدمات العمومية، وثانيا ضرورة إدخال القطاع الخاص كشريك للقيام بتلك الخدمات.
من جهة أخرى يعتبر توقيت بداية تنزيل هذا المشروع الحيوي، توقيتا بالغ الحساسية، حيث هناك فراغ حكومي نتيجة للأزمة السياسية في تشكيل الحكومة، وبالتالي فهو لم يأخذ النقاش الكافي من الفاعلين السياسيين المنتخبين، الذين يمثلون الأحزاب المنتخبة، وبقي في يد وزير تقنوقراطي لا يحمل أية صفة حزبية، بل هو في خلاف واضح مع رئيسة حكومته، الذي انتقده أكثر من مرة، أبرزها ملف تدريس المواد العلمية في الثانويات باللغة الفرنسية.
بالنظر لحيوية قطاع التعليم في تحديد مستقبل الشعوب، فإن توالي النكسات في هذا المجال، سيضع المغرب مرة أخرى في مقصلة التقارير الدورية التي ترسم صورة سوداء عن واقع التعليم في المغرب، الذي ينعكس مباشرة على مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية.  

مواضيع مشابهة

Back to top button