مستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر

علاقات المدرس و واجباته

بقلم مصطفى بحبح
             تتخذ هذه الورقة من الأستاذ و علاقاته و مهامه موضوعا للتفكير, و هي من خلاصات تجربة قصيرة في القسم. و كل ما تطمح إليه هذه الورقة رسم صورة تقريبية لعمل المدرس,  و أن تطرح ـ من خلال الوصف و التسجيل ـ أسئلة تبدو مهمة في ما يتصل بعالم القسم و جماعته. كما أنه من أهدافها أن تصحح بعض التمثلات الخاطئة الناجمة عن سوء الفهم , بل و الجائرة ، أحيانا، التي تستهدف هذه الفئة البانية التي تسدي خدمة جليلة للمجتمع. و قد حصرت الورقة موضوعها في واجبات المدرس فقط, دون التطرق لحقوقه. 
          يرتبط هذا الأخير  بمجموعة من الفاعلين , أبرزهم: التلاميذ و الإدارة و المؤطر التربوي. و تحدد هذه العلاقات مهام المدرس. و بوتيرة أقل, يلتقي آباء و أولياء التلاميذ. تجري هذه العلاقات داخل المؤسسة. و يرتبط خارجها بحلقات أخرى كمواطن: بالأسرة , الحي, المدينة, تنظيم مدني / تنظيمات و العالم الرقمي….إلخ. و للمدرس علاقة وطيدة بالزمن. تخضع هذه العلاقات لتفاعلات تتأثر بجدلية الذاتي بالموضوعي. و سنركز على العلاقات المهنية.  تخضع هذه الأخيرة لدفتر تحملات محدد علني و ضمني , يتضمن أدوار كل طرف من حيث الحقوق و الواجبات.
1  ـ  الأستاذ و التلميذ :
              يبدأ العمل من الاتفاق على تعاقد بيداغوجي يحدد الأدوار و المهام و  الحقوق و الواجبات. و يلي هذه الخطوة تشخيص مكتسبات المتعلمين و حاجياتهم. إذا حرص الأستاذ على حماية التعاقد و تنفيذ بنوده يكون في الطريق إلى كسب الرهان, أما أسوأ فخ يمكن أن يسقط فيه هو أن يكون أول من يخرق التعاقد, فتضمحل العلاقة. 
              يجب أن يسود في الفصل التواصل بإشراك التلاميذ في الدرس و دفعهم نحو الإبداع و الإنتاجية. و من المفيد تجنب الإكراه و اللاتواصل. على الأستاذ مراعاة ميولات التلاميذ و مستوياتهم و مسارات تعلمهم , و كذا تنظيم الفصل و الأخذ بيده نحو تحقيق الأهداف المرجوة. تتمثل العلاقات الصفية في علاقة المدر س بالتلميذ و علاقة التلميذ بالتلميذ. بتعبير آخر, من واجب الأستاذ ضبط القسم و الحيلولة دون عرقلة الدرس. و توجيه جماعة القسم نحو الوضعيات التعلمية التي يطرحها المقرر الدراسي, و إذكاء روح التنافس و التعاون التربوي, و تفريد التعلمات و المساهمة في إنجاح العمل في مجموعات بالتوجيه و الإشراف. و مطلوب منه أن يجتهد في البحث عن وسائل النقل الديداكتيكي و أن يطور قدراته و مهاراته ,  و الإنصات للتلاميذ و تشجيع جماعة القسم على الحوار العلمي و التربوي.   و مما ينبغي الاهتمام به مادة التخصص و علوم التربية و المستجدات التربوية , و أن يواكب النقاشات الجارية في هذه الميادين. و من واجبات الأستاذ تهييء الدروس و إنجازها وفقا للتوجيهات التربوية و الوثائق الرسمية. و قد تَقرر في  هذه الأخيرة اعتماد بيداغوجيا الكفايات في التدريس, و استحضار فروعها : البيداغوجيا الفارقية و بيداغوجيا المشروع و الإدماج.  و في الأخير , تقويم التلميذ  و تقييمهم انطلاقا من معايير موضوعية تستحضر المقرر و  مخرجات المستوى و السلك. 
        يضم القسم مجموعة من التلاميذ في مستوى دراسي واحد.  تتميز جماعة القسم بعدد من الخصائص التي تتأرجح بين التشابه و الاختلاف.و يمكن إجمال العوامل التي تؤثر في شخصية المتعلم في ما يلي:
ـ  غالبا ما يكون سن القسم الواحد متساويا أو متقاربا. مما يجعل خصائص المرحلة العمرية تتجلى في سلوك هذه الجماعة: الطفولة / الابتدائي , المراهقة / الإعدادي, بدايات الشباب / التأهيلي.
ـ الوضع الاجتماعي: للوضع الاجتماعي تأثير خطير  في الحياة المدرسية للمتعلم. يختار  الأغنياء مدرسة أبنائهم, و أحيانا أقسامهم.بينما أبناء الفقراء لا يملكون حرية الاختيار , و إن هم خًيروا فعليهم أن يختاروا بين نفس الأوضاع ,  و غالبا ما تكون أقسام المؤسسة العمومية مكتظة, مفتقدة للعديد من التجهيزات. تختلف المدارس العمومية ـ نسبيا ـ بحسب عوامل منها: الموقع , المساعدات التي تتلقاها,  نوعية الطاقم الإداري و التربوي و التأطيري..إلخ.  بيد أن أكثر ما يُكتب و يُداع عن هذه الأخيرة ينذر بالشؤم و الضياع. 
ـ الوضع النفسي: يأتي التلميذ إلى القسم و هو يجر وراءه حمولة نفسية تختلف من شخص لآخر,  لكن الحمولات السلبية هي الغالبة. تُسبب فيها مضاعفات الأوضاع الأسرية الهشة أو الموبوءة بالمشاكل. أضف إلى ذلك خطورة الحرمان الذي يحفر تأثيرُه  مجراه ـ الممتد في الزمن ـ في الشخصية.
    يأتي التلميذ إلى القسم محملا بتأثيرات ” الاجتماعي / Le sosial” و ” النفسي / L e psychique  “, و يلتقي زملاء خضعوا لتأثيرات متشابهة أو مختلفة. 
ـ الكفايات والقدرات و المهارات:  حددت الوثائق الرسمية ـ الميثاق , الكتاب الأبيض و التوجيهات التربوية ـ مواصفات التلميذ وفقا لمدخلات كل سلك و مخرجاته. لكن في الواقع, ينتقل أغلبية التلاميذ من سلك إلى آخر دون اكتساب القدرات و المهارات و الكفايات المطلوبة. و ذلك راجع لأسباب عديدة, منها: ضعف عتبة النجاح, الغش, التساهل في التنقيط, تأثيرات المحيط التلميذ و حياته الشخصية , تمثلات هذا الأخير للعملية التعلمية و للعالم , و التي تنطبع بخصائص المرحلة العمرية و الظروف المشار  إليها سابقا.  و يؤثر كل ذلك في مستويات التعلم و مساراته. 


2 ـ المدرس و الزمن:  يتفاعل المدرس مع الزمن و يفكر فيه و يُقَطعه في كل حين. يحترم استعمال الزمن. ينظر إلى الساعة مليا تجنبا للتأخر و حفاظا على الزمن المدرسي. يوميا: يقوم بعمله , يقدم الدروس. و خارج الفصل:يهيئ , يصحح و يفكر في سيناريوهات الحصص. أسبوعيا ينظر إلى سلسلة الدروس و يخطط للمجزوءة. شهريا: ينتظر آخر الشهر ليحصل على ما تبقى من الراتب ثم يحرص على تقنين صرفه و يمدده على أيام الشهر الطويلة, و إلا فهو مهدد بالاقتراض فيزيد من تأزيم الوضعية. لذلك فهو لا يستسيغ الاقتطاعات , و يعتبر ذلك اعتداء على قوت أبنائه. دوريا : يخطط لإنهاء الوحدات أو المجزوءات و إنجاز الفروض و تصحيحها و تمكين مسار من مسك النقط . سنويا : يرجو أن يكون قد آتى العمل أكله و عينيه على مواصفات الخريجين . فإن كان ثمة نقص يلوم نفسه و يتألم كما لو أنه المسؤول الأول و الأخير عن هذا الوضع. استراتيجيا: يفكر في بناء جيل متشبع بروح العلم و بالقيم الوطنية و الأخلاقية الرفيعة , كما يفكر في اقتناء سكن يقيه و أبناءه من غوائل الدهر الذي لا يرحم. و يترقب مرحلة التقاعد و حيثياته حائرا متسائلا. يؤدي المدرس وظيفة استراتيجية سامية. المتعلمون و الأطر عقول الأمة و صانعو مجدها و رقيها. 
       يخصص المدرس جزء من وقته للبحث في مادة التخصص وفي علوم التربية و المستجدات التربوية. الأستاذ باحث أركيولوجي مواكب. و على من فارقوا الكتاب أن يصلوا معه الرحم من جديد. 
       المدرس أكثر المؤمنين بأن الزمن سيف إذا لم تقطعه قطعك. و قد صارت هذه الحكمة / العبارة المسكوكة متوارثة خلفا عن سلف في مدارسنا. يشغل المدرس آليتي التذكر و الترقب عند المتعلمين و يشغلهما هو نفسه. يتذكر المعلومات السابقة. يتأرجح نظره بين الماضي و الحاضر و المستقبل. يترقب ما سيقوم به التلاميذ. و هو شديد الحساسية من المتكاسلين و المهملين. يترقب زيارة المفتش و نتائج الحركات الانتقالية و الامتحانات المهنية…. بل و يتابع المحيط كله و يترقب. علاقاته ممتدة كما الكفايات المطالَب بزرع بذورها و تطويرها : من القسم إلى الإدارة و المجتمع و الدولة إلى المنتظم الدولي. بحكم موقعه في المجتمع يتحتم عليه أن يكون فاعلا مشاركا في حركيته, بما أوتي من إمكانيات و قدرات. أن يكون شمعة تضيء ما حولها. زمن المدرس مفعم بالحركة و الحياة. المدرس كائن زمني يعيش في الزمن.


3 ـ  الأستاذ و المؤطر التربوي: تتمثل أدوار المؤطر  في المراقبة و التأطير و التقويم. بالإضافة إلى التأطير التربوي بمختلف صيغه,  و المتمثلة في اللقاءات و الندوات و الدروس التطبيقية, و مساهمته في تقويم المنظومة التعليمية في شموليتها، يقوم المفتش بزيارات مفاجئة, يراقب خلالها عمل الأستاذ و يقومه في المستويات التالية:
ـ المستوى البيداغوجي: و يتعلق بتدبير العلاقات الصفية.
ـ المستوى الديداكتيكي: و يلاحظ من خلاله طرق النقل الديداكتيكي للمعرفة.
ـ المستوى الوثائقي : و يتعلق الأمر بمراقبة  تعبئة المدرس للوثائق التربوية: الجذاذات , دفتر النصوص , أوراق التنقيط و نماذج من الفروض. 
        تتصل بهذه المستويات مهام كثيرة, منها: تدبير الزمن المدرسي, الاجتهاد في طرق النقل الديداكتيكي, التحكم في آليات التقويم بأنواعه, استخدام الوسائط الورقية و الرقمية و إشراك المتعلمين في بناء الدرس…إلخ.
4 ـ الأستاذ و الإدارة التربوية: بين توقيعي الدخول و الخروج, في بداية السنة الدراسية و في نهايتها, يتوزع الأساتذة على أربعة مجالس: مجلس القسم ,  المجلس التعليمي, المجلس التربوي و مجلس التدبير. لكل مجلس اختصاصاته المحددة بالقانون. يساهم الأستاذ عبرها في تقديم خدمات إدارية في صالح المؤسسة و التلاميذ: مسك النقط, التأديب التربوي, تسطير برامج الأندية التربوية, تقديم ملاحظات و اقتراحات بخصوص المقرر الدراسي و  سبل النهوض بتدريس المادة…إلخ. كما أنه ملزم بالتوقيع على المذكرات الواردة من الإدارات التربوية الأعلى في السلًم : المديرية الإقليمية و الأكاديمية و الوزارة. 
5 ـ في العلاقة مع آباء و أولياء التلاميذ: نلاحظ أن هذه العلاقة قوية في التعليم الخاص, إذ دأب هذا الأخير على استدعاء الآباء من أجل إحاطتهم علما بمستوى أبنائهم و سلوكاتهم و سبل تطوير كفاءاتهم. لكن في القطاع العام تظل هذه العلاقة فاترة. و لا يكاد يلتقي الطرفان إلا في حالة حدوث مشكل و مأزق للتلميذ. 


      كل العوامل و العلاقات المذكورة لها تأثير ملموس على العملية التعليمية التعلمية. و هذه الأخيرة مرآة تنجلي عبرها صورة المجتمع. و جودة التعليم و نتائجه معيار من معايير قياس درجة رقي المجتمع أو انحطاطه.
      جاء حديثنا عن مهام الأستاذ و علاقاته مجملا. و يمكن التفصيل في كل مستوى من المستويات , و استحضار أخرى لم نُشِر إليها, كعلاقة كل من التلميذ و الأستاذ بالكتاب المدرسي, و الأنشطة التربوية الموازية و غيرهما من العلاقات.       
     المدرس كائن اجتماعي تتجاذبه اهتمامات و علاقات كثيرة. تصقله, توجهه و تصوغه. و هو مطالب بأن يؤدي مهامه بكل إتقان و تفان. و ليقوم بالمهمة الموكولة إليه على أحسن ما يرام, فهو بحاجة إلى التفهم و المساعدة و الإنصاف.

مواضيع مشابهة

4 Comments

  1. تحية لك.
    من السهل أن تجلس في برج عالي وتبدأ بالتنظير والخطابات لكن النزول لأرض الواقع سيحتم عليك تصحيح أخطاء عقلك النظري….منذ عقود ونحن نسمع الخطابات…والكل يدعي بأنه عالم تربوي يكثر من الشفوي ويعتقد بأنه يملك المطلق…..والنتيجة أننا شيعنا التعليم واكتفينا بالتباكي

  2. شكرا الأستاذ حكيم على تعليقكم الرصين. أستبعد الادعاء بكوني عالما في التربية أو جالسا في البرج العاجي. فصاحب هذه المحاولة ممارس يعاني الأمرين في الفصل. هدف هذا النص البسيط أن يوضح للناس مهمة المدرس, صعوبتها في سياق السياسة المتبعة المترجمة في المذكرات المؤطرة لهذا الميدان. و قد تسعف من يهيؤون للامتحانات المهنية. أرجو فقط أن يتفاعل معها القراء بشكل جيد. مع احترامي و تقديري.

Back to top button