فزاعات البحث العلمي من هلوسات سنة 2010.
صاحب المقال: بحفيظ فريخ
منذ أن وطئت قدميّ أبواب حرم الجامعة وأنا أفكر وأسأل عن الأدوار المنوطة بهذه البنايات التي لا شك أنها كلفت صناديق الدولة وأثقلتها؛ ولهذا السبب لم يساورني شك بخصوص الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات الحكومية، لذلك أود التساؤل عن هذه الأدوار؟ وعن العتاد المادي والبشري القمين بأن يكفل السير العادي لها؟ وهل أضحت الجامعات ملتزمة بما بنيت من أجله؟ أم يمكن اعتبارها مجرد أطلال من حق الشعراء البكاء عليها وتأبينها متى عنت لهم ذكريات بخصوصها؟
لو أنك سألت طالبا: لِمَ أنت في الجامعة؟ أو سألت أستاذا لم تدرس في الجامعة؟ ستسمع أجوبة مسكوكة جاهزة للاستعمال لعل الأستاذ والطالب قد اقتنوها من محل واحد. ستسمع أن هدفهما الأسمى هو البحث العلمي، لكن هل هذا الأمر صحيح؟
لعلي أجيب بالنفي لأمر بسيط هو أن الواقع يكذّب ذلك. فمن يحضر الندوات واللقاءات التي تجري في حرم الجامعة ليظن أن البحث العلمي في الجامعة المغربية بخير، لكن شتان بين دواخل هؤلاء الباحثين والمساحيق التي يضعونها على وجوههم توحي بالنفاق الذي يضع البحث العلمي ذريعة يتسترون بها على قبح وجوههم ونتانة دواخلهم.
وأعتقد أن ثمة مبدأً قد تشبع بها أصحاب الكراسي، وهو الحفاظ على المصالح والنظر إلى الطالب نظرة دونية تتهمه بالتقصير والوهن والضعف. وهذا الاتهام معناه –لمن يريد أن يفهم- هو الإعلاء من شأن الذات، أو إعادة إنتاج خطاب قد عانوا منه هم الآخرون حينما كانوا طلابا، فما كان منهم إلا أن يعيدوا إنتاج الأزمة.
تسمع في اللقاءات الرسمية أن الطالب يجب عليه أن يبدع ويأتي بالجديد، ومحرم عليه أن يكون ببغاء أو أن ينشغل بالغيبة والنميمة بحيث يشعل نار الفتنة بين العلماء القدامى (قال فلان ورد عليه فلان).
لكن اتضح فعليا أن هؤلاء يتخذون من القدماء أصناما يدافعون عنها وينافحون. ويهاجمون كل من تعرض لها بسوء. فجعلوا من كتبهم أضرحةً تزار ويتبرك بها ويثنى عليها. والويل كل الويل لمن مس آلهتهم بسوء. فهل الجاهلية أعادت بعث نفسها من جديد؟ ولماذا هؤلاء يدافعون عن هؤلاء الأموات وهم ليسوا آباءهم وأجدادهم؟ ولمَ يعتقدون أن هؤلاء معصومون ولا يخطئون، والمعلوم أنه لا عصمة لبشر إلا للرسل، بل الرسل قد ثبت خطؤهم في بعض الأمور الدنيوية التي لا تمس الشريعة.
فلو كان همّ الأساتذة هو البحث العلمي، فلماذا لا تُقرأ البحوث وتصحح؟ ولماذا يستهان بها؟ وبعد ذلك يلقى باللائمة على الطالب أنه لم يتمكن من آليات البحث العلمي، ثم تبريرات ضحلة ومغرضة ومسكوكة قد تصلح أن تقال في حق جميع البحوث يبدو إغراضها حتى للذين ليس لهم حظ من العلم. والأمر أن الطالب مجرد مرآة لأساتذته تعكس أبعادهم وألوانهم الباهتة. أو أن الطالب مزرعة تنتج ما يزرع فيها، وردا كان أو شوكا.
والخلاصة أن البحث العلمي في الجامعة غدا أرضا مزروعة لا يحق للطائر المسكين أن يشبع مخمصته منها، نظرا لأنهم وضعوا بهذه الأرض الشاسعة فزاعات تُبعد كل من سولت له نفسه الاقتراب منها. فالأرض هي البحث العلمي، والطائر هو الطالب الباحث، والفزاعات هم الأساتذة الذين يقتلون روح الإبداع في الطالب ويكَرهونه من الجامعة ومن البحث العلمي. الغرض من وراء ذلك هو المحافظة على المصالح والكراسي.