مستجدات التعليم بالمغرب وجهة نظر

كذب الأطفال حقيقة أم خيال

 كذب الأطفال حقيقة أم خيال


بقلم : ذة رجاء قيباش 
مؤطرة المسرح بمؤسسة التفتح الفني و الأدبي بمديرية مكناس .
باحثة في علم الاجتماع جامعة ابن طفيل القنيطرة.
كوتش أسري و تربوي و مدربة معتمدة في التنمية الذاتية .
كاتبة و شاعرة أصدرت ديوانين شعريين.
الكذب نقيض الصدق ، و حسب تعريف النووي هوالإخبارعن الشيء على خلاف فماهو  عمدًا كان أو سهوًا، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل، و هو ظاهرة واقعية عرفها الإنسان عبر التاريخ ويمارسها أغلب أفراد المجتمع بأشكاله المختلفة ولدوافع متعددة. والكذب ظاهرة اجتماعية يعاني منها المجتمع المعاصر لأسباب عدة يمكن اختزالها في تعقد ظروف الحياة وكثرة التغيرات التي واجهت البشرية في العقود الأخيرة؛ مما دفع الكثير من الناس إلى اللجوء إلى هذه العادة السلبية لتحقيق حاجاتهم اليومية وتجنب المساءلة وتحمل المسؤولية عن أفعالهم. ويعد الكذب من منظور علم النفس نوعا من الإنكار ينظر إليه على أنه تجنب قول الحقيقة وقول ما لم يحدث واختلاق وقائع لم تحدث مع المبالغة في نقل ما حدث، الأمرالذي يؤرق الكثير من الآباء والأمهات ويصبح هاجسا في التعامل مع ما يقوله أطفالهم ، فنصبح في حيرة من أمرنا هل ما يقوله الطفل صحيح أم كذب؟ وإذا كان كذبا فهل هذا الكذب حقيقة أم خيال؟وما أسبابه و أنواعه؟ وهل نستطيع علاجه؟ أسئلة كثيرة تمر في ذهن المربي، فالتعامل بصفة طبيعية مع ظاهرة الكذب لدى الطفل هى رؤية خاطئة بدون شك ، فأبناؤنا ينشأون على ما تعودوا عليه ومن تعود على الكذب يمكن أن يدمنه مهما تقدم به العمرإذا لم نتعامل معه بشكل سليم .
الكذب سلوك اجتماعي غير سوي وهو سلوك مكتسب لا يورث شأنه شأن الصدق فكلاهما سلوكيات تتكون لدى الطفل عن طريق التعلم والخبرة والتقليد. فالأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة (و التي تقع أعمارهم بين 3- 5 سنوات)من الخطأ وصف سلوكهم بالكذب، لأن في هذه المرحلة العمرية يطلقون العنان لخيالهم فيخلطون ما بين الواقع والخيال ويحرفون الكلام ليس بقصد الكذب ولكن لأنهم يتّسمون بالخيال الواسع فيعتبر الكذب حينها تنمية طبيعية لمرحلة الطفولة .
مما لا شك فيه أن هناك أشكال كثيرة للكذب عند الأطفال وكلها تنطوي تحت أسباب نفسية شعورية ولا شعورية ، و هي عبارة عن تحديات سلوكية يلجأ لها الطفل بسبب دوافع بيئية عائلية ،مجتمعية، مدرسية ، تشمل بالأساس القدوة العائلية ، فعدم وجود خلفية ذهنية إيجابية مؤثرة و مشاهدة الصغير لسلوكيات الكذب داخل الأسرة في تعاملاتهم تدفعه لاكتساب هذا السلوك السلبي بطريقة سهلة، و التفكك الأسري كذلك يترك للطفل مجالا للتقدير السلبي لذاته ، و لاستعمال الكذب كوسيلة لمعالجة بعض الأمورو تجميل المواقف الإنسانية التي تواجهه في حياته اليومية بهدف الظهور بشكل متميز أمام الآخرين ، كذلك قسوة الوالدين أو أحدهما حيث أثبتت الدراسات المتعلقة بسلوك الأطفال أنه كلما ازدادت قسوة الوالدين باللجوء إلى العقاب و العنف بكل أنواعه و أيضا التفرقة في المعاملة بين الأبناء والشعور بالغيرة والنقص وسط وأقربائه لجأ الطفل بدوره أكثر إلى الكذب ومن ثم الديمومة على إدمانه،.فعدم اتباع أساليب التربية الإيجابية من طرف الوالدين و كذلك العلاقة الوجدانية المهزوزة بين المدرس و تلميذه تدفع هذا الأخير للكذب ليأمن عقابه و يجدر بالذكر انفتاح الطفل على محيط اجتماعي تغيب فيه المصداقية التامة و القدوة الصالحة .ففي هذا الإطار أحيانا تهرب الطفل من المواجهة ، و رفضه الوقوف أو الجلوس أمامك وجها لوجه لمناقشة أمر أو وضع حل لمشكل ،وإن جلس فإنه ينظر إلى الأسفل ،ابتسامته المصطنعة التي تعلو وجهه بتكلف ، قد تكون دلالات على الكذب ربما لا تصدق على كل الأفراد ولا في كل الحالات، غير أنها تساعد فعلا في تشخيص حالة الكذب عند غالبية الأطفال .
وقد تم تصنيف أشكال الكذب من طرف الدكتور ناجي داوود إسحاق السيد على النحو التالي :
 الكذب الخيالى ،حيث يلجأ الأطفال الصغار (من 3 إلى5 سنوات) إلى اختلاق القصص وسرد حكايات كاذبة ، وهذا سلوك طبيعي لأنهم يستمتعون بالحكايات و أحلام اليقظة من أجل المتعة لكونهم يجهلون الفرق بين الحقيقة والخيال .
 الكذب القائم على التقليد : فنجد الطفل يميل إلى محاكاة من حوله من المحيطين و الذين يتخذون هذا السلوك في تعاملاتهم.
 الكذب الدفاعي :قد يلجأ الطفل و المراهق إلى اختلاق بعض الأكاذيب لحماية نفسه من أجل تجنب فعل شيء معينأو إنكار مسؤوليته عن حدوث أمر ما تفاديا للتعنيف و العقاب .
 الكذب الادعائي: هذا النوع من الكذب موجه لتعظيم الذات وجعلها مركز الانتباه والإعجاب ،ليحصل على أكبر من الرعاية و الاهتمام و العطف .
فهذا الكذب ينشأ عادة من شعور الطفل بالنقص وتعظيم الذات عن طريق الكذب كطريقة لإخفاء هذا الشعور بالنقص و الدونية .
 الكذب الإجتماعى : وقد يكتشف بعض المراهقين أن الكذب من الممكن أن يكون مقبولاً في بعض المواقف لحماية أمورهم الخاصة أو لإشعار أنفسهم بأنهم مستقلون عن والديهم .
 الكذب غير المقصود: فيلجأ الطفل للكذب أحيانا حينما تلتبس عليه بعض تفاصيل الحدث فتخونه ذاكرته على سرد الحقيقة كما هي فيكون الحال إما الزيادة أو النقصان بما يتناسب مع قدراته اللغوية والعقلية والخيالية.
 الكذب المرضي: كذب ، عنادي ، انتقامي ، كيدي ،يلجأ إليه الطفل بطريقة لا شعورية وقد تستمر معه إلى مرحلة الطفولة المتأخرة ومنها إلى المراهقة والرشد، مما يؤدي به إلى مشكلات سلوكية اجتماعية أ كثر خطورة مثل كتمان تعاطي المخدرات و الهروب من المدرسة و سلوكات لامدنية و غير صحية تهدد سلامة الطفل و سلامة من حوله.
عموما و في ضل الواقع المعاش و ما نعانيه من صعوبات في تربية أبنائنا ، يجب الوعي بأن الطفل السيء السلوك يعاني من اضطرابات نفسية سببها الجوهري هو عدم اتباع أسلوب التربية الإيجابية في التعامل معه ، و الذي يرتكز بالأساس على تفهم تمثلاته وميولاته الشخصية و التغيرات النفسية و الفيزيولوجية التي يمر منها خلال مراحل نموه، الأمر الذي يخلق هوة بينه وبين والديه، فهو طفل ينقصه التفهم و التشجيع، والانضباط الذاتي، فالأبوة أو الأمومة ليست فقط رعاية الطفل وتوفير احتياجاته من مأكل وملبس وما إلى ذلك ، بل هى إعداد وتهيئة هذا الكائن الصغير حتى يدرك دوره ويخرج إلى المجتمع شخصًا سويًا قادرا على التحكم في نفسه لبناء شخصية سوية يمكنها حل المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين و الاندماج بشكل إيجابي داخل المجتمع ، إذ لا يجب أن ننظر إلى السلوك فقط ، وإنما إلى دوافعه وأسبابه ، والاهتمام بمعالجتها هي أولاً ، مما يحتم علينا أن نشارك بفعالية في إصلاح سلوكات أبنائنا السيئة ، وأن لا ندعها للزمن ، أو لتدخل آخرين . فصحة أطفالنا النفسية مسؤوليتنا جميعا.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button