محددات مفهوم الدور بين الثقافة و المجتمع من أجل فهم عميق للسلوك الفردي
قراءة وتحليل للأستاذ : محمد رضوان الخياطي
إجازة في علم النفس الإجتماعي
م أحمد الحنصالي
نيابة النواصر
يعد مفهوم الدور من المفاهيم الأساسية في تخصصي السوسيولوجيا و السيكوسوسيولوجيا، كونه مفهوما تتقاطع فيه أبعاد عديدة و مختلفة للظاهرة الإجتماعية ، و يشكل في نفس الوقت نقطة التقاء بين عدة مستويات من التحليل، إضافة إلى كونه مفهوما علائقيا يفترض التفاعل و الإتصال و اللقاء مع الآخر في إطار المبادلة أو فكرة التبادل البيشخصي ” interpersonnel” .
عرف الدكتور المصطفى حدية الدور بكونه عبارة عن نشاطات تنجز من طرف الشخص لإعطاء التبرير و المصداقية للوضع الذي يحتله في إطار المجتمع الذي يعيش فيه، فلكل وضع من الأوضاع الإجتماعية أنماط سلوكية مرتبطة بها، وعليه فكل الذين يعرفون أننا نشغل وضعا معينا ينتظرون منا أن تتطابق سلوكاتنا مع الأنماط السلوكية المرتبطة بذلك الوضع من خلال توقع أدوارنا.
يمر اكتساب الأدوار الإجتماعية عبر مسلسلين كبيرين، يرتبط الأول بالتعليم المقصود في حين يرتبط الثاني بالتعليم غير المقصود.
أ- التعليم المقصود
كل مجتمع يمأسس نظاما من أساليب العقاب و الجزاء تمارس على الفرد عندما يأتي بعض الأفعال أو لا يأتيها، ويظهر ذلك جليا من خلال تعليم الطفل كيف يلعب مجموعة من الأدوار الملائمة لجنسه. فالأطفال يتعلمون مبكرا دور الرجل و دور المرأة بحسب الأعراف المحددة من طرف المجتمع، كما أن الطفل يتعلم كذلك أن الآخر يتوقع منه أفعالا خاصة مما يشكل نسق توقعه الخاص.
ب- التعليم غير المقصود
يستطيع الطفل أن يستدخل منذ نعومة أظافره نظام القيم السائدة وذلك عبر إشراطات الأسرة و الثقافة و المجتمع، فضلا عن دور اللعب في ذلك من خلال إكسابه للطفل كثيرا من التجارب و تمكينه من التعرف على بعض الأدوار عن طريق مواقف متخيلة أو وهمية.
أشار الدكتور المصطفى حدية إلى الفينومينولوجيا في دراسة ل “هسنار” حول العلاقات التي توجد بين كائنين إنسانين خاصين أوما سماه ب ” البيذاتية الخاصة “، واستند في ذلك على مفهوم التوحيد identification ” كاتجاه نفسي طبيعي و تلقائي يقوم الفرد عبره بوضع نفسه مكان أحد الموضوعات، و اعتبره بمثابة الميكانيزم الأساسي الذي يمكن من التعرف على شخص ما أو شيء ما و تحديد هويته عن طريق التواصل العاطفي به “empathie”، هذا التوحد يمزج بين ميكانيزمين هما : الإسقاط “projection” ، أي إسقاط شيء ما يوجد ضمن الذات على الآخر، و الإستدماج “introjection ” حيث يتم إدخال شيء من الآخر إلى الذات.
لقد سمحت مجموعة من الدراسات و الأبحاث بتوضيح كيف يتم توقع الأدوار عن طريق الأفعال كمعيار أو كمرتكز مرجعي عوض استعمال المزايا و الخصائص، فدرجة التكيف مع الأدوار التي يحددها المجتمع لفئات عمرية أو جنسية تختلف بحسب اختلاف مدى وضوح تحديد هذه الأدوار، وقد تم الإستنتاج أنه من الصعب بالنسبة لشخص ما أن يلعب دورا محددا للجنس الآخر، فاجتياز حاجز الجنس يعد أصعب من اجتياز حاجز العمر و المهنة.
وفي هذا الصدد، أنجزت بعض التجارب التي تعلقت بخصائص السلوك و ليس بالأفعال ذاتها و ذلك كمحور مرجعي لتوقع الأدوار، فالنساء من خلال تجارب كتابة سمات شخص ظهر أمامهن لأول مرة دون أن ينبس بكلمة، كن أميل إلى الإرتكاز على معايير تحليلية وجد متميزة، عكس الرجال الأكثر ميلا نحو الوصف منه إلى التحليل، و من تم أمكن الإستنتاج أن كلا من الأفعال و سمات الشخص تسمح لنا بتوقع أدوارنا.
إن أفعال شخص ما تدرك دائما منتظمة ضمن كل متجانس و بالأخص يتم هذا الإدراك في ارتكاز على توقعات الأدوار، و بعبارة أكثر وضوحا أن هناك متتالية من الصور بالنسبة لإدراك الأدوار، فهناك في البداية استجابة إدراكية خالصة تتمثل في تحديد موقع الشخص الآخر و ذلك انطلاقا من أفعال ملاحظة أو سمات مستنتجة ، وبعد هذه الإستجابة الإدراكية تأتي الإستجابة الحركية و تتجسد في تحقيق شيء ما وممارسة الدور بناء على موقعة الآخر و موقعة الذات ، فعادة ما يدرك يكون متنوعا ، ذلك أننا ندرك حركات مكثفة للبنية العضلية أو الهيكل العظمي كما ندرك سلوكات لفظية، ألبسة، تعبيرات الوجه، رنات الصوت، وضع الجسم، و إدراك دور الآخر يعني التقاط هذه المؤشرات و تأويلها كما لو كنا الآخر.
يتحقق تجسيد الأدوار بالمظهر الحركي للدور و ليس بالمظهر المعرفي أو التواصل العاطفي الذي هو في الحقيقة مسلسل داخلي خفي ، الأمر الذي يسمح بتحديد عدد من الأدوار، وذلك بملاحظة السلوك عن طريق متابعة شخص ما خلال وقت معين ثم تسجيل الأدوار التي يلعبها ، أو عن طريق ملاحظة جماعات العمل الصغيرة ، و عليه فقد حدد Benne و Sheats ثلاثة أنماط من الأدوار التي يتم لعبها في جماعة صغيرة و هي أدوار المهام، أدوار التضامن، و الأدوار الفردية و هو ما يربو عن 30 دورا و وظيفة محددة في ثلاث اتجاهات.
وفي نفس الإطار يمكننا أن نستشف دون عناء كبير أن مفهوم الدور مفهوم معقد ، فعلى الرغم من مظهره البسيط فإنه يحيل على عدد كبير من النظريات ، ذلك أن غالبية المؤلفين يتفقون على الإعتراف بأنه يشكل واحدا من الروابط التي تجمع علم النفس بعلم الاجتماع، و بالتالي يمكن توظيفه بشكل نافع سواء من طرف السيكولوجيين أو الأطباء النفسيين أو من طرف الأنثروبولوجيين و السوسيولوجيين، إلا أن الاتفاق بين هؤلاء المؤلفين يقف عند هذا الحد نظرا لامتلاكهم تصورات متباينة حول هذا المفهوم.
فالدور يتضمن مجموعة من الحقوق و الواجبات و بعض الإتجاهات و السمات المزاجية التي يحددها المجتمع، هذا الأخير لا يكون اجتماعه أبدا كليا، كما أنه يتغير بحسب جزء الدور المنجز، إذ كلما كان المجتمع معقدا ومركبا كلما كثرت عوامل الإختلاف بصدد تصور هذا المفهوم، هذا فضلا أن التغيرات السوسيو اقتصادية هي التي تثير بعض التحولات في بعض السلوكات الواقعية للدور.
من جهة أخرى يسمح التنبؤ بسلوكات الدورعلى تكييف سلوكاتنا وفق ذلك، سعيا منا لإحداث تفاعلات اجتماعية دون صدام، و لتحقيق هذا الهدف ينبغي إغناء ذخيرتنا فيما يخص أدوارنا، إذ كلما كان مجموع أدوار الفرد غنيا متنوعا كلما تطورت مرونته و قدرته على الإنتقال من دور إلى دور وأخذ دور الآخر، و كلما تطورت تلقائيته الإبداعية كلما كان مؤهلا للتوافق مع مختلف الظروف و الأوضاع الاجتماعية، و هذا ما تمت محاولة تطويره في مجال السيكودراما و لعب الأدوار.
خلص الدكتور المصطفى حدية من خلال دراسته للأدوار و التغيرات الإجتماعية و الصراعات إلى نتيجة مفادها أن ما يتغير في الدور بدرجة أقل هو الصفة المركزية ، أي وظيفته الأساسية في الكل الإجتماعي، في حين أن ما يتغير بسهولة هو الصفات و النعوت الثانوية و السلوكات التي تتغير مع تطور التقنيات و القيم، ومنه وجب استثمارها وتوجيهها الوجهة الصحيحة حتى يكون لها الوقع الحسن في تثمين السلوكات المدنية لأفراد المجتمع.