ملاحظات أولية حول حصيلة تفعيل المشاريع المندمجة لتنزيل الرؤية الإستراتيجية 2015- 2030.
بقلم : ذ محسن الأكرمين
في الوقت الميت من عمر حكومة تصريف الأعمال، آثر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني ترأس اللقاء التنسيقي الذي خصص للوقوف على الحصيلة الأولية لتفعيل المشاريع المندمجة لتنزيل الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030، من المنطلق إلى حدود النصف الأول من الموسم الدراسي 2016-2017.
حصيلة أولية لتدقيق المشاريع المندمجة(16)، وعرض الانجازات الواقفة بالمشاهدة والقياس. حصيلة تستكين لطفا إلى التقويم الكمي/ الرقمي، وذلك بسرد متتاليات أرقام دالة على تململ حركية البنية التحتية (إحداث المؤسسات)، ومسارات توسيع الاستفادة من المنتجات الجديدة للوزارة (مسار اكتشاف المهن بالسلك الابتدائي /المسارات المهنية المحدثة بالسلك الإعدادي/ المسالك المهنية على مستوى البكالوريا المهنية) .
إنه التقرير الاستراتيجي الثاني (الأول كان في شهر يوليوز2016)، فبعد ترجمة الرؤية الإستراتيجية إلى مشاريع بأضلاع رباعية الدفع، تضم أربع مجالات رئيسية (المجال الأول:الإنصاف وتكافؤ الفرص، ويضم 8 مشاريع/المجال الثاني:الجودة للجميع،ويضم 7مشاريع/المجال الثالث:الارتقاء بالفرد والمجتمع، ويضم 7مشاريع/المجال الرابع: الحكامة وتدبير التغيير، ويضم 4مشاريع).
وكاعتراف أولي، فكل لقاء تنسيقي يحسب بالإيجاب للوزارة، مادام الرهان الأول يتمثل في التتبع اللصيق لكل المشاريع المدمجة عبر لوحة قيادة (لوحات القيادة العملية والميزانياتية)، والتي قسمت على هرم المسؤوليات القيادية لتتبع المشاريع (المركزي/الجهوي/المديري الإقليمي)، ثم الوقوف عند خطوط مرتفعات التنزيل السليم للمشاريع المندمجة. وهي المنهجية التي حتمت علينا تقريب القارئ أولا من أهم المجالات التي سلط عليها العرض الوزاري ضوء الإشارة الخضراء بمسك معطياتها بالسبق التتبعي، والمصادقة عليها بحضور كبار مهندسي المنظومة التربوية. ولكن لا بد من سرد بعض الملاحظات التمفصلية للحصيلة الأولية، والتي يمكن اعتبارها من بين الإكراهات المسكوت عنها بالضرورة.
قد لا نختلف البتة في أن الزواج التوفيقي بين دمج تدابير وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ورافعاتها، وبين الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، قد تم بالإيجاب دون تسنين إطار قانون كما كان مقررا سلفا بتحويل رؤية مشاريع المندمجة إلى نصوص قانونية تعاقدية ملزمة.
المجال الأول:الإنصاف وتكافؤ الفرص،
التجريب المرحلي والمحدود للمشاريع المندمجة، هو بيت قصيد مناقشتنا للتقرير الوزاري. نعم، نتساءل بفضول برئ ولا نعيب على الوزارة لذة مؤشراتها المصففة بالتدفق الرقمي. نتساءل في شق تحقيق تكافؤ فرص ولوج بوابات التربية والتعليم والتكوين،عن الفئة التي تلفظها المؤسسات المدرسية كرها، عن مشاريع تعميم التعليم الأولي كركيزة أساس لبنية الإصلاح، وهو لازال مغمورا بالمؤسسات العمومية. نتساءل، عن الأفعال الأولوية بتطوير التمدرس بالأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص الظاهر، ومدى ضمان معادلة الإنصاف وتحقيق تكافؤ الفرص. نتساءل، عن وضعية تمدرس الأطفال في وضعيات خاصة، ولا رؤية قارة لمفهوم إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة. نتساءل، عن التأهيل المندمج لمؤسسات التربية والتكوين وعن تحسين جدوى وجاذبية المدرسة العمومية، ومدارسنا بغالبيتها شبه أطلال.
إنها التساؤلات الوجيهة وبدون علامات استفهام، والتي تنفلت بين أيدينا ولا نلوي منها إلا قشة مما قدمته الوزارة بالإنجاز البين والفتح المبين. فتوسيع حقينة المؤسسات والمدارس الجماعاتية ما هو إلا مؤشر رقمي /كمي لتحصيل حاجة ملحة إلى تناظر العرض المدرسي والبنيات المادية. فلا تعدو أن تكون كل الإجراءات رغم مرجعيتها الإصلاحية إلا حلا علاجيا مسكنا لأزمة المدرسة العمومية، ويستلزم مضاعفة جهد إرساء ثقافة الإنصاف وتكافؤ الفرص.
فالمغرب العميق أزمته تفوق إنشاء مدرسة جماعاتية يتيمة، تفوق تقريب المدرسة من الساكنة، بل هوامش المغرب وجوانبه الجغرافية تعيش أزمة كرامة وعدالة اجتماعية، هي ذي الحقيقة ومقاربة تكافؤ الفرص في ولوج كرامة العيش، وليس فقط في ولوج بوابات التربية والتعليم والتكوين. إنها المقاربة الشمولية التي نغيبها بمقابل إصلاح المدرسة فقط، وكأن كل الإختلالات تأتينا من المدرسة، وفي المدرسة تتكون، وليست هي عامة من سياسة دولة.
نعم، الغاية الفضلى مما تحقق يغنينا من تحليل الأرقام ولبس ثوب الحداد عن المدرسة العمومية. ولكن الإنصاف وتكافؤ الفرص في التوزيع العادل للعرض المدرسي على كل نقاط المغرب العميق العذراء منذ الاستقلال، هي من تحول مفهوم الحيف للهوامش إلى معادلة تكافؤ الفرص ، تلك النقاط المظلومة/ الملفوظة من التخطيط الاستراتيجي للدولة، لماما ما توضع ضمن أولويات الدعم ورفع حيف الإقصاء.
المجال الثاني: الارتقاء بجودة التربية والتكوين،
نقر منهجيا أن لا ندخل في خانة بوليميك استيراد واسترجاع تعاريف للجودة، ولا عن مرجعية أصول فعلها التربوي، وأن لا نسلك في هذا المجال نية الإيقاع بما ورد في مداخلة وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، وأن لا نبحث في فخ صدام التقابلات بين النظرة الشمولية للإصلاح المندمج والروافد الجزئية، بل سنعتمد على منهج التقطيع البنيوي بين ما له ضوء نهار من الشفافية، وبين مازال يحبو ليلا من مشاريع الإصلاح المندمجة.
أولى الملاحظات التي يمكن أن نقول بأنها المسكوت عنها هي الارتقاء بالتكوين الأساس والتكوين المستمر(المشروع9)، فقد عرفت ساحة التكوين بشقه الثاني، سكونية حارقة بالمدارس العمومية. وأن ثلاثة أرباع وتزيد من المكونات البشرية العاملة ضمن منصة الفصل الدراسي يزيد سنها عن55سنة، حينها سنقول أن الخبرة حاضرة، والتجديد مفقود (قولنا لا يحتمل التعميم المطلق). هرم لسان حال الموارد البشرية للوزارة بالفصل الدراسي، وإقفال باب الفصل عليه بالمفتاح خوفا من المكاشفة. هي ذي الحقيقة الصادمة بالمدارس العمومية المغربية، هي ذي الحقيقة التي أغفلها المشرع المغربي حين زاد من بلوغ سن التقاعد إلى حد 63 سنة.
وحتى لا يطغى على تحليلنا البلاغات النقابية المهنية، فإننا ندعو إلى إعادة الثقة في كل مكونات المدرسة المغربية، إلى الاعتراف بالمكون البشري، والبحث عن أوجه الإرضاء والتمييز الايجابي، والتجديد العمري. ندعو إلى التعزيز المستديم للمهننة بالتأهيل البيداغوجي، وفتح باب التكوين المستمر والتنمية المهنية وفق خطة سنوية مضبوطة، توطن أصلا بالمقرر الوزاري السنوي، ويتم الالتزام بها بالوفاء و التنزيل. ندعو إلى اعتبار التكوين المستمر بوابة للجودة عبر ملاءمته مع كل التحولات البيداغوجية التي تعرفها المدرسة المغربية. ندعو إلى تنويع برامج وصيغ التكوين على مستوى المعارف والكفايات بمقابل الاستجابة للحاجيات والمستجدات والتطور التكنولوجي.
ثاني ملاحظة في هذا المجال، وهي ” تطوير النموذج البيداغوجي” ، فالحقيقة المغيبة عنا جميعا وهي الصادمة، فبغير مؤسسات التجريب فإن ما تبقى من المؤسسات العمومية لا علم لها بما يجري من رؤى الإصلاح، ولا من المشاريع (16) المندمجة، إلا ثقافة سطحية بالسمع، وعما يروج في وسائل الإعلام ومنصات الخطابة. نعترف بأنها الحقيقة الصادمة والتي سيزيد دويها دقا حين التوسيع والإرساء النهائي للمشاريع المندمجة.
ماعدا قولنا العام هذا بالملاحظة الوصفية، فالتجارب الأولية سواء في مجال ” الارتقاء بجودة التربية والتكوين”، فقد عرف مشروع ” تطوير النموذج البيداغوجي” أو في شقي ” القراءة من أجل النجاح” و” تحسين تعليم وتعلم اللغة الفرنسية”، حلحلة بينة بمدارس التجريب والتوسيع. وهي عمليات تجريب تستوجب التتبع اللصيق، والتقويم المرحلي النوعي المرفق بدفتر جودة المنتوج. وكذلك العمل على تسويق منتوجها عبر كتيبات إلى عموم المؤسسات العمومية.
ولن تغنينا الأرقام عن الغوص في التجارب من الداخل للتتبع والتقويم. وهو شق المشروع المغيب ” النهوض بالبحث التربوي” حيث المقاربة التفاعلية /التصاعدية تستدعي من الشأن التربوي الحافزية للإجتهاد والمبادرة والابتكار في الأساليب التربوية، وإرجاع الرأي إلى كثلة قسم التجريب. ونعتقد في إحداث بنك بالجهات والمديريات حول “تطويرالنموذج البيداغوجي” له المصدر الموثوق به في تتبع مسارات الإصلاح بالثوثيق والتدوين.
ثالث ملاحظة، لما استهدف الإصلاح بالتغيير لمكون التربية الإسلامية؟. إنه الجدل الذي لازال تمتد تداعياته من السلك الإبتدائي (انعدام المراجع المرفقة لكتاب المتعلم/ الامتحانات (ووصفة الوضعيات) والفروض المحروسة)، إلى الثانوي التأهيلي (الفلسفة /التربية الإسلامية)، إنها سياسة رؤية الدولة العميقة التي تدخلت وليست مشاريع الرؤية الإستراتيجية للإصلاح …
المجال الثالث:الارتقاء بالفرد والمجتمع،
من حسنات المشاريع المندمجة مشروع (الارتقاء بالعمل التربوي داخل المؤسسات التعليمية). والرامي إلى تفعيل إحداث مؤسسات للتفتح باللغات والأنشطة الثقافية والفنية. حسنات غير مكتملة، جعلت من 11مؤسسة تعيش فراغا تنظيميا وقانونيا قبل تداركه لاحقا. لما الدفع إلى الأمام بقولنا هذا؟ نعم، كان فراغا أوليا في سنة الإنشاء والإحداث إلى حد العطالة. نعم، كان هناك غياب خطة سنوية لمؤسسات التفتح بالتشارك مع باقي المؤسسات بالمديريات الإقليمية. هناك غياب في خطة مواكبة بديلة لدعم الأنشطة الفنية والثقافية بالمؤسسات العمومية داخل كل مديرية إقليمية، هناك حقيقة تحكي عن انكماش تلك المؤسسات على أبوابها، وعدم الكشف عن أدوارها التفاعلية مع مؤسسات الجوار إلا ما نذر من أنشطة موجهة.
لا ننكر ولوج 5246 تلميذة وتلميذ لأبوابها واستفادتهم من مجموعة من الورشات التي توفرها تلك المؤسسات، ولكننا نبحث عن القيمة المضافة لتلك المؤسسات ومدى مساهماتها في احتضان نخب تلاميذ التميز اللغوي والفني والثقافي، نبحث عن جودة الخدمات الإدارية والتربوية التشاركية التي تسوقها تلك المؤسسات بالمديريات الإقليمية ، نبحث عن قيمة جودة النتاج الفني والثقافي لكل من ولج أبوابها.
في حين هناك مشاريع لم يتم الإشارة إليها، وهي المشاريع التي تحمل عناوين فضفاضة بالتعويم الدلالي . فحين نتحدث مثلا عن “الإدماج الفعلي للثقافة في المدرسة المغربية” (المشروع 17)، فإننا نفصل المؤسسة عن وسطها الاجتماعي الثقافي، فإننا نحمًل المؤسسة مالا طاقة لها به. لأن الرؤية الموضوعية تمنح الجزء البسيط للمؤسسة في المساهمة في الفعل الثقافي التفاعلي، فيما الرأي السديد اعتبار الثقافة هما جماعيا تشترك فيه كل المكونات الوطنية، وتساهم في إنمائه وبنائه. وبعدها ممكن الحديث عن مشروع”إرساء إستراتيجية التعلم مدى الحياة”.
المجال الرابع: الحكامة وتدبير التغيير،
إنه المجال الذي من خلاله يمكن قياس تدبير التغيير. إنه المجال الذي يكشف عن مدى تعزيز تعبئة الفاعلين والشركاء حول المدرسة. إنه المجال الذي يسعى إلى تطوير قدرات التدبير ومأسسة التعاقد والمواكبة والتقييم حول المدرسة المغربية العمومية.
فحين الحديث عن آلية التوظيف بموجب عقد فإنه قرار سياسي، فحين نتحدث عن اللامركزية عبر الانتقال الفعلي من 16 إلى 12 أكاديمية جهوية للتربية والتكوين فإنه كذلك قرار سياسي، ولكن تدبيره موكول لكل سلطة مختصة. إنها الحكامة في أضعف حلقاتها حين نستحضرها بالوفاء على بعض القرارات التي نصدرها وننعتها بالحكامة الجيدة.
التعاقد حل من الحلول المستعجلة لسد الخصاص في هيئة التدريس، ولكن الحكامة في نتائجه تفتقد معالمها الأولية، وتوقيع العقد وولوج الفصل الدراسي للتدريس. أية حكامة نتحدث عنها؟، أية جودة نبحث عنها(المجال الأول الإنصاف وتكافؤ الفرص/المشروع 7: تحسين جدوى وجاذبية المدرسة)؟.
لما لا نفعل بالتمام أدوار الحكامة وتدبير التغيير؟، لما لم يتم قياس كثلة التغيير في تدبير الأكاديميات والمديريات بناء على فعل التعاقد الأولي؟، لما لا ندفع بالاستقلالية التدبيرية الجهوية ، وبالمديريات الإقليمية؟، لما لا يتم الكشف عن دفتر تحملات رؤساء المديريات الإقليمية، وعلى أساسه يتم التعاقد مع المؤسسات المدرسية وفق مشروع تربوي؟ . لما نتحدث عن الاستقلالية ونطوي صفحات النقاش حين ينفض الجمع؟.
لزاما في تحليلنا نسقط في بعض المطالب الاجتماعية الفئوية، لكننا نقر أن البوابة الأولية للإصلاح هم أطر الإدارة التربوية. فكل روافع مشاريع الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030، لن تستقيم بالإرساء والتعميم السلس إلا بمعالجة شاملة لملف أطر الإدارية التربوية. فضلا عن إرساء تكوين وتأهيل يغطي الحياة المهنية، وإعادة تثمين أدوارها ومهامها، والارتقاء بمرفق عملها، وبالأداء المهني، و بوسائل العمل.
هي ملاحظات ليست بالكلية، ملاحظات تستدعي وضع رؤية موحدة لإيجاد الحلول للصعوبات والاكراهات التي تعترض تنزيل المشاريع المندمجة للرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030.
إن الإصلاح الذي نبحث عنه بصفر درهم، هو إصلاح لن يسمن من جوع أزمة المدرسية العمومية المستديمة، لن يوسع العرض التربوي للتعليم الأولي، لن يساهم في تأهيل المؤسسات البئيسة. لحد الساعة لازال مشاريع الإصلاح لم تستطع تعبئة الفاعلين والشركاء حول المدرسة المغربية، لم تستطع خلق طفرة نوعية من التمكن من اللغات أو من المواد الأساسية (المشروع14/ المجال الثاني: الجودة للجميع). إصلاح لم يرتق باللغة الأمازيغية نحو التعميم الكلي كأضعف الإيمان.
ولكن لا ننكر أن هناك شعاع نور دافئ في خلق مسارات تعلم جديدة، ومسالك مهنية تحفظ المنظومة من شدة أرقام التسرب، هناك ثقة في ربط التعليم بالتكوين، هناك اتفاق جماعي في إنقاذ المدرسة العمومية من السكتتة القلبية. وحتى يتم الاطمئنان على مشاريع الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030، فلا بد من العود إلى حقل المشاورات التفاعلية لتقويم سنة ونصف من الإصلاح. مشاورات تصاعدية كاشفة لكل المطبات والفجوات التدبيرية والمالية ومخاطر التنزيل داخل الفصل الدراسي، مشاورات ضابطة لكل البدائل العلاجية في حينها.
ذ محسن الأكرمين mohsineelak@gmail.com