مَواطن القوة في العلاقـة بين الأستاذ والمدير
إن علاقة الأستاذ مع المدير، تنطلق من مدى تقدير كل واحد منهما لمسؤولية الآخر، فالمدير ليس ذلك الخصم الوهمي الذي يتصوره أغلب الأساتذة، إنه أستاذ مثلكَ يقوم بمهام الإدارة، إنه زميلكَ في العمل، إنه بكل بساطة رجل تعليم ينتمي إلى جسد المنظومة التربوية.
ثم إن المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الفئة من أسرة التعليم لعظيمة، فأغلب هؤلاء يتحملون مسؤولية تفوق قدراتهم وكفاءاتهم المهنية؛ حيث ينخرط أغلبهم في قيادة المؤسسة دون أي تكوين مهني سابق، فيخرج من باب القسم ويلج باب الإدارة؛ ليجِدَ نفسه بين مطرقة المذكرات الوزارية وسِندان الواقع المدرسي المتأزّم. والمدير الناجح هو الذي يفهم روح القانون فيَعملُ به، ويترك الباقي جانباً؛ كي تحقق مؤسسته الأهداف المتوخاة. والأستاذ من جهته عليه أن يفهم هذه الحقيقة؛ حتى لا يصطدم بالإدارة التربوية، وذلك بالانفتاح الإيجابي عليها بعيدا عن أحكام القيمة، والإسقاطات الخاطئة التي غالبا ما تهدِم العلاقة حتى قبل أن تبدأ، وتكون عائقا أمام التواصل البنّاء والتعاون المُثمر بين هيئة الإدارة وهيئة التدريس.
وتختلف هذه العلاقة باختلاف العوامل والمتغيرات المُتحكِّمة فيها، ومن بين هذه العوامل:
طبيعة المؤسسة التعليمية (مجموعة مدرسية، مدرسة مستقلة، وسط حضري، وسط قروي).
شخصية المدير، وتكوينه الإداري والتربوي والمعرفي، وكفايته التواصلية.
علاقة المدير بالأطراف المتدخلة، من: (جمعية الآباء، مجلس التدبير، المفتشين، الجماعة المحلية… وكل ما يحيط بالمؤسسة).
وليس المدير الناجح والكفْء، من يسهر فقط على السير العادي للدراسة في مؤسسته، من دخول وخروج في الوقت، وتوفير للوثائق الإدارية، وغيرها، هذه أمور شكلية لابد منها طبعاً؛ ولكن الأهم من ذلك هو قدرة المدير على التواصل والتفاعل الإيجابيين مع أساتذته، ومع جميع الأطراف المتدخلة داخليا أو خارجيا في الفعل التربوي؛ فيتعيّن على المدير أن يكون قريباً من أساتذته، مستعداً لتقديم المساعدة والنصح، قادراً على دفعهم إلى حب المهنة والرفع من المردودية وجودة التعلمات، والانخراط في مشروع المؤسسة والأنشطة الموازية وغير ذلك مما يجعل الأستاذ نشيطاً، ومبدعاً، بعيداً عن الروتين الذي يشتكي منه أغلب الأساتذة اليوم.
وإذن؛ يمكن الحديث عن بعض مواطن القوة، التي يمكن أن تُسهِم في تحسين علاقة الأستاذ بالمدير بالنظر إليها من زاويتيْن اثنتيْن:
أولا: مواطن القوة في علاقة المدير بالأستاذ:
1- ضرورة إشراك المدير لجميع الأساتذة في تدبير شؤون المؤسسة، من خلال عقد اجتماعات مجلس التدبير، ومجلس الأساتذة، والاستماع لآراء الأساتذة ومقترحاتهم.
2- تفعيل المذكرات الوزارية والنيابية، وتمكين الأساتذة من وثائقهم الإدارية في الوقت المناسب، وكذا إخبارهم بجميع المستجدات.
3- احترام الأساتذة، ووقوفه على المسافة نفسها منهم، ومساعدته لهم في حل الصعوبات التي تعترضهم محليا.
4- تمكين الأساتذة من الوسائل التعليمية المساعدة، وحرصه على مراسلة الجهات المختصة من أجل توفير الوسائل الضرورية للعمل، وتحسين صورة المؤسسة داخل محيطها.
5- شخصية المدير المتّزنة، وتكوينه المعرفي والإداري والتربوي، وكذا إسهامه في حل مشاكل مؤسسته محلياً، دون تدخل من أيّة أطراف خارجية؛ كل ذلك سيجعله يقود الفريق التربوي بكل ديمقراطية، بعيداً عن السلطوية والتساهل الإداريّيْن.
ثانيا: مواطن القوة في علاقة الأستاذ بالمدير:
غالبا ما تكون الحالة النفسية للأستاذ، وسبب إقباله على مهنة التعليم، ومدى حبه للمهنة ووعيه بثقل المسؤولية وعظم الأمانة؛ من بين الأسباب والمحددات الرئيسة لمواطن قوته أو ضعفه، وبالتالي تحسين علاقته بالمدير أو إضعافها؛ لذلك أقترح:
1- ضرورة الاهتمام بالتكوين النفسي والميداني للطالب الأستاذ قبل التخرج؛ حتى يتسنى له الاندماج السريع والفعال في العملية التعليمية.
2- لا يجب أن يقتصر التكوين على الجانب النظري والتداريب بشكلها الروتيني، بل لابد من تكليف الطالب بخرجات ميدانية، يقوم من خلالها بالممارسة على أرض الواقع، وكتابة تقارير عن تلك الخرجات ومناقشتها.
3- توحيد التكوين على المستوى الوطني؛ حتى لا تكون هناك فروق بين الأساتذة المتخرجين، سواء من حيث جودةُ التكوين أو معاييرُ التقويم.
4- إلمامه الدقيق بالتشريع التربوي؛ حتى يكون عارفا بحقوقه وواجباته في الوقت نفسه.
5- لابد للأستاذ، أن يطور أداءه المهني، ويواكب المستجدات التربوية، ويرتقي بمستواه المعرفي، وألا ينقطع عن الدراسة بمجرد التخرج من مركز التكوين، بل يعتبر تخرجه نقطة البداية؛ لأن مهنته ترفض الجمود الفكري والتعصب للرأي، وأن يعتمد التكوين والتقويم الذاتييْن، وعن طريق زملائه في المهنة.
كما يجب على الأستاذ أن يُحسن علاقته مع زملائه، ومع البيئة المحيطة بمؤسسته، وأن يقوِّم سلوكاته وأخلاقه حتى يكون المثل الأعلى والقدوة الحسنة؛ لأنه تحت مجهر التلاميذ والمحيط الذي ينتمي إليه.
وختاما؛ يتعين عليْهِما معاً، التحلّي بروح المسؤولية، والتخلّي عن أحكام القيمة التي لا تَقُوم على أسسٍ علمية، وأن يعملا سويًّا على تغيير الانطباعات المغلوطة عن المدرسة العمومية، عن طريق الارتقاء بالعلاقة التربوية التي تربطهما، وأن يكون أساس العلاقة المُتحدَّث عنها، مبنيًّا على الهمّ الرِّسالي المنوط بهما قبل الواجب التربوي.