همجية قوى القمع المخزنية ضد الأساتذة المتدربين
مراسلة : ذ. لحسن الكيري*
لا زال الأساتذة المتدربون يعانون منذ أكثر من شهرين من التدخلات الأمنية العنيفة من طرف القوى المخزنية في المدن المغربية التي تتوفر على مراكز خاصة بمهن التربية و التكوين. و قد أبدع هؤلاء الأساتذة المتدربون الأبطال مسيرات احتجاجية سلمية جهوية و مركزية منقطعة النظير في تاريخ الاحتجاج في المغرب، و ذلك كالتي شهدتها الرباط مؤخرا و آزرتهم فيها الهيئات الحقوقية و بعض الأحزاب اليسارية و آباؤهم و أمهاتهم في ظل تواطؤ و تخاذل النقابات الصفراء التي باعت القضية مع سبق الإصرار و الترصد.
أما سبب هذه المعركة فيعود إلى إصدار وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني لمرسومين تنظيميين مشؤومين مفصلين لكيفية ولوج المرشحين و المرشحات إلى مراكز التربية و التكوين. و هذان المرسومان هما المرسوم رقم 2.15.588 القاضي بفصل التوظيف عن التكوين، و المرسوم رقم 2.15.589 القاضي بتقزيم المنحة إلى أقل من النصف أي من 2450 درهم إلى 1200 درهم شهريا خلال فترة التكوين. و يؤكد عدد من الأساتذة المتدربين في تصريحاتهم أن هاته المراسيم الجوفاء تهدف إلى تفريخ أساتذة عاطلين و خوصصة قطاع التعليم في نهاية المطاف، مضيفين أن السياسة التي تنتهجها الوزارة الوصية ماضية بقطاع التعليم في المغرب نحو الهاوية، و هو ما يفترض دق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان.
و في ظل الغياب الممنهج حد الخجل لوسائل الإعلام المغربية، ارتكبت قوى القمع و لا زالت مجازر في حق من نافسوا حتى الأنبياء فكادوا يكونون رسلا. و هكذا كسرت الضلوع و شجت الرؤوس و رفست الأجسام بالٌأقدام و أسيل الدم من الأنوف و سحل صناع الأجيال على مرأى من الزمن و أمام المغرب العميق الخفي و المغرب السطحي الظاهر.
و باعتباري أستاذا، فإنني أشجب بقوة كل هذه الممارسات المخزنية الهمجية التي طالت هؤلاء الأساتذة الشبان والشابات الذين سيكونون عسس و حراس الأمن الثقافي و المعرفي و الفكري في مغرب المستقبل. ومن المؤسف أن يحدث كل هذا و قطاع التعليم في بلدنا يعاني نقصا حدا في الموارد البشرية، إذ أصدرت الأكاديميات و النيابات التعليمية بإيعاز من الوزارة الوصية، في بداية الموسم الدراسي لهذه السنة، بلاغات إلى مديري المؤسسات التعليمية تقضي بتقليص عدد الساعات الدراسية في بعض المواد و حذف مواد أخرى و كبس التلاميذ في حجرات دراسية ضيقة إذ بلغ الاكتظاظ رقما قياسيا حتى في مدن مركزية كالدار البيضاء و الرباط لتوفير الأساتذة، ناهيك عن سياسة الترقيع المتمثلة في تكليف الأساتذة لسد هذا النقص الحاد في هذا القطاع الحيوي.
يخجلني في نفس الاتجاه أن يحمل “مردة” أو “سيمي” لم يحصل حتى على البكالوريا في غالب الأحيان، “زرواطة” حديدية و ينهال على أستاذة متدربة شابة و عزلاء حاملة للإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، سلاحها فقط عقلها و غيرتها على مهنتها التي أكثر عليها الدخلاء الضجيج و العجيج و الهرج و المرج مخربين و مفسدين من حيث يدرون و لا يدرون.
إن المعاين لهذه التدخلات الوحشية التي طالت هؤلاء الأساتذة العزل يستنتج بالملموس أننا فعلا شعب تدير شأنه حكومة تافهة و طماحة و طماعة بالمعنى السلبي و ليس الإيجابي، حيث موهت الشعب المغربي بالشعارات الفارغة و الجوفاء من قبيل تكافؤ الفرص و دولة المؤسسات و دولة الحق و القانون و غيرها. في حين كان هدفها الذي فرض عليها في الخفاء قبل أن تلوح لنا في العلن هو تكريس الثبات و الجمود مصداقا للقول المأثور القافلة تسير و الكلاب تنبح. و إلى مجزرة أخرى في حق الوطن!